للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في قوله تعالى: {وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} [فصلت: ٥] فائدة؟ قلت: نعم، لأنه لو قيل: وبيننا وبينك حجاب، لكان المعنى: أن حجابًا حاصلٌ وسط الجهتين، وأما بزيادة (من) فالمعنى: أن حجابًا ابتدأ منا وابتدأ منك، فالمسافة المتوسطة لجهتنا وجهتك مستوعبة بالحجاب لا فراغ فيها" (١).

يقول الشيخ بعد أن نقل كلام الزمخشري: "واستحسنَ كلامَه هذا الفخرُ الرازي وتعقبه ابن المنير فأوضح سقوطه، والحق معه في تعقبه عليه" (٢).

وإتمامًا للفائدة هنا، أنقل ما قاله ابن المنير تعقيبًا على كلام الزمخشري: "ولا ينفك المعنى بدخول (من) عما كان عليه قبل، ولو كان الأمر كما ذكر لكانت (من) مقدرة مع (بين) الثانية، لأنه جعلها مفيدة للابتداء في الثانية كما هي مفيدة للابتداء في الأولى، فيكون التقدير إذًا {وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} وهذا يخل بمعنى (بين) إخلالًا بينًا، فإنها تأبى تكرار العامل معها، حتى لو قال قائل: جلستُ بين زيد وجلست بين عمرو لم يكن مستقيمًا، لأن تكرار العامل يصيرها داخلة على مفرد فقط، ويقطعه من قرينة المتقدم، ومن شأنها الدخول على متعدد، لأنها في ضمن معناها التوسط، وزاد الزمخشري على هذا فجعل (بين) الثانية غير الأولى، لأنه جعل الأولى بجهتهم والثانية بجهته، وليس الأمر كما ظنه، بل (بين) الأولى هي الثانية بعينها، وهي عبارة عن الجهة المتوسطة بين المضافين، وتكرارها إنما كان لأن المعطوف مضمر محفوظ، فوجب تكرار حافظه، وهو (بين) والدليل على هذا: أنه لا تفاوت باتفاق بين أن تقول: جلست بين زيد وعمرو وبين أن تقول: جلستُ بين زيد وبين عمرو، وإنما كان ذكرها مع الظاهر جوازًا ومع المضمر وجوبًا لما بيناه. فالظاهر والله أعلم أن موقع (من) ههنا كموقعها في قوله: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ


(١) الكشاف، ٤/ ١٤٥.
(٢) أضواء البيان، ٧/ ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>