حياة الأرواح، كما أن بالمطر حياة الأجسام، أشار إلى وجه ضرب هذا المثل بقوله جلّ وعلا:{وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ}[الأعراف: ٥٨]. وقد أوضح -صلى الله عليه وسلم- هذا المثل المشار إليه في الآيتين في حديث أبي موسى المتفق عليه:"إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم ... " الحديث (١).
مع أن هذا المثل ضرب في المنافقين كما أجمع المفسرون المحققون وليس في الحديث ما يتفق معه، ففي مطلع سورة البقرة نجد هذين المثلين ثلهم {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (١٧) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (١٨) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (١٩) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠)} [البقرة: ١٧ - ٢٠]، يتحدثان عن أحوال المنافقين بدليل قوله تعالى بعد الآية الأولى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (١٨)} وقوله بعد الآية الثانية: {يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ} ولا أعلم خلافًا بين من يُعتدّ بقوله في هذا الأمر.
- عند قوله تعالى:{وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ}[المائدة: ٧١]، يربط بين هذه الآية وبين قوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (٤)} [الإسراء: ٤]. فيقول: "ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن بني إسرائيل عموا وصموا مرتين تتخللهما توبة من الله عليهم، وبيّن تفصيل ذلك في قوله:{وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ}[الإسراء: ٤]. فبين جزاء عماهم وصممهم في المرة الأولى بقوله: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَال الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (٥)} [الإسراء: ٥] وبين جزاء عماهم وصممهم في المرة الآخرة بقوله: {إن