للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (٧)} [الإسراء: ٧] وبيَّن التوبة التي بينهما بقوله: {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (٦)} [الإسراء: ٦]. ثم بيّن أنهم إن عادوا إلى الإفساد عاد إلى الانتقام منهم بقوله: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (٨)} [الإسراء: ٨]، فعادوا إلى الإفساد بتكذيبه -صلى الله عليه وسلم- وكتم صفاته التي في التوراة، فعاد الله إلى الانتقام منهم فسلّط عليهم نبيه -صلى الله عليه وسلم-" (١).

ومع أن هذا القول ذكره كثيرٌ من المفسرين منهم صاحب "روح المعاني" وصاحب "المنار" وهذا القول قد نقله الفخر الرازي عن القفال، وهو أحد أقوال أربعة ذكرها الرازي. ويبدو لي -والله تعالى أعلم- أن الأمر يحتاج إلى تدبر، حيث لا يظهر صلة هذه الآية المدنية بآية سورة الإسراء المكية، مع أن المفسرين اختلفوا كثيرًا في سورة الإسراء، وليس هناك قول يُعول عليه كما ذكر الجبائي ونقله عنه صاحب "صفوة البيان" الشيخ حسنين محمد مخلوف -رحمه الله- مفتي الديار المصرية الأسبق، والذي أرجحه -والله أعلم- في تفسير المرتين أن المرة الأولى كانت في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أما الثانية فهي ما نعيشه الآن راجين أن يتحقق قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ} أي المرة الأخيرة {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (٧)} [الإسراء: ٧]. فالضمائر الثلاثة عائدة إلى العباد الذين ذكرهم الله تعالى، وهذا يرشد إليه قول الرسول الأكرم - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، حتى يقول الحجر وراءه اليهودي: يا مسلم، هذا


(١) المصدر السابق، ١/ ٤١٧ - ٤١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>