للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد أفنَى أناملَهُ أَزْمُهُ ... فأضحَى يَعَضُّ عَليَّ الوَظِيفا

أي أفنَى أنامله عضًا، وقال الراجز:

لو أنّ سَلْمَى أبصرَتْ تَخَدُّدِي ... ودِقَّةً بِعَظْمِ ساقي ويَدِي

وَبُعْدَ أهلي وجَفَاءَ عُودِي ... عَضَّتْ مِن الوَجْدِ بأطرافِ اليدِ

وفي الآية الكريمة أقوال غير هذا، منها: أنهم لما سمعوا كتاب الله عجبوا ورجعوا بأيديهم إلى أفواههم من العجب، ويروى عن ابن عباس.

ومنها: أنهم كانوا إذا قال لهم نبيُّهم: أنا رسول الله إليكم، أشاروا بأصابعهم إلى أفواههم، أن اسكت تكذيبًا له وردًا لقوله، ويروى هذا عن أبي صالح.

ومنها: أن معنى الآية أنهم ردّوا على الرسل قولهم وكذبوهم بأفواههم، فالضمير الأول للرسل والثاني للكفار، وعلى هذا القول فإن (في) بمعنى الباء، ويروى هذا القول عن مجاهد وقتادة ومحمد بن كعب. قال ابن جرير: وتوجيهه أن (في) بمعنى (الباء). قال: وقد سمع من العرب أدخلك الله بالجنة يعنون في الجنة، وقال الشاعر:

وأرغبُ فيها عن لقيطٍ وَرَهْطِهِ ... ولكِنَّنِي عن سُنْبُسٍ لَسْتُ أَرْغَبُ

يريد: وأرغب بها، قال ابن كثير: ويؤيد هذا القول تفسير ذلك بتمام الكلام وهو قوله تعالى: {وَقَالوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (٩)} [إبراهيم: ٩].

قال مُقَيِّدُهُ عفا الله عنه: الظاهر عندي خلاف ما استظهره ابن كثير -رحمه الله- لأن العطف بالواو يقتضي مغايرة ما بعده لما قبله، فيدل على أن المراد بقوله: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ} الآية غيرُ التصريحِ بالتكذيب بالأفواه، والعلم عند الله.

وقيل: المعنى أن الكفار جعلوا أيديهم في أفواه الرسل ردًّا لقولهم، وعليه فالضمير الأول للكفار، والثاني للرسل، ويروى هذا عن الحسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>