للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: جعل الكفارُ أيدي الرسلِ على أفواه الرسُلِ لِيُسْكِتُوهم ويقطَعوا كلامهم ويروى هذا عن مقاتل.

وقيل: رَدَّ الرسلُ أيديَ الكفارِ في أفواههم، وقيل غير ذلك.

وقد رأيت الأقوال وما يشهد له القرآنُ منها، والعلم عند الله" (١).

عند قوله تعالى في السورة نفسها السابقة: {وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (٥٢)} [إبراهيم: ٥٢] قال: "بيَّن في هذه الآية الكريمة أن مِن حِكَمِ إنزال القرآن العظيم العِلْمَ بأنه تعالى إله واحد، وأنّ مِن حِكَمِهِ أن يتعظَ أصحابُ العقول، وبيّن هذا في مواضع أُخر فذكر الحكمة الأولى في أول سورة هود في قوله: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ}، كما تقدم إيضاحه. وذكر الحكمة الثانية في قوله: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (٢٩)} [ص: ٢٩]، وهم أصحاب العقول السليمة من شوائب الاختلال، واحِدُ الألبابِ: لبٌّ بالضم، والعلم عند الله" (٢).

وعند قوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (٩٨)} [مريم: ٩٨] يقول: {وَكَمْ} في هذه الآية الكريم هي الخبرية، وهي في محل نصب، لأنها مفعول {أَهْلَكْنَا} و (من) هي المبيّنة لـ (كم) كما تقدم إيضاحه.

وقوله: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ} أي: هل ترى أحدًا منهم، أو تشعر به، أو تحدُه {أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (٩٨)} أي: صوتًا. وأصل الركز: الصوت الخفي. ومنه رَكَّزَ الرمح: إذا غَيَّبَ طرفَه وأخفاه في الأرض. ومنه: الركاز: وهو دَفْنٌ جاهلي مُغَيَّبٌ بالدفن في الأرض، ومن إطلاق الرِّكز على الصوت، قول لبيد في معلقته:


(١) أضواء البيان، ٢/ ٢٤٢ - ٢٤٣.
(٢) المصدر السابق، ٢/ ٢٥٠ - ٢٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>