للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك يوجه فواصل الآيات أحيانًا حسب السياق ولا يقول بمراعاة فواصل الآي. فعند قوله تعالى: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (١٩)} [البروج: ١٩]. نقل رأي الكرماني في المقارنة بين آية الانشقاق {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (٢٢)} [الانشقاق: ٢٢] بأن المغايرة بين الفاصلتين لمراعاة رؤوس الآي والفواصل ثم قال: "ولكن الظاهر من السياق في الموضعين مراعاة السياق لا فواصل الآي، لأن في سورة الانشقاق الحديث مع المشركين {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (١٩) فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٢٠) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ (٢١) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (٢٢)} [الانشقاق: ١٩ - ٢٢]، وفي سورة البروج هنا ذكر الأمم من فرعون، وثمود، وأصحاب الأخدود، والمشركين في مكة، ثم قال: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (١٩)} فناسب هذا هنا، وناسب ذاك هناك، والله أعلم" (١).

وكذلك فهو يحاول أن يربط بين القسم والمقسم به وهو السورة، فيقول: "وبعد التأمل ظهر -والله تعالى أعلم- أنه سبحانه لا يقسم بشيء في موضع دون غيره، إلا لغرض يتعلق بهذا الموضع، يكون بين المقسم به، والمقسم عليه مناسبة وارتباطٌ، وقد يظهر ذلك جليًّا وقد يكون خفيًا، وهذا فعلًا ما تقتضيه الحكمة والإعجاز في القرآن، وإن كنت لم أقف على بحث فيه" (٢).

وعند تفسير سورة العصر يقول مثلًا: "فإن المقسم عليه هو حالة الإنسان الغاليةُ عليه مِن خُسْرٍ، إلا من استثنى الله تعالى، فكان المقسم به، والعصر المعاصرُ للإنسان طيلة حياته وهو محلُّ عمله، الذي به يخسر ويربح، وهو معاصرٌ له وأصدقُ شاهد عليه، فكان القسم في العصر على الربح والخسران أنسبُ ما يكون بينهما، إذ جُعِلَت حياة الإنسان كسوق قائمة، والسلعةُ فيه العمل، والعامل هو الإنسان. كما


(١) المصدر السابق، ٨/ ٤٨٩.
(٢) المصدر السابق، ٨/ ٤٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>