للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استوائهما وفي ذلك تقرير المصير {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (٢٠)} [الحشر: ٢٠].

وهنا وقفة لتأمل اجتماع تلك الصفات معًا (عالم الغيب الشهادة، والملك القدوس، والسلام المهيمن) فنجدها مترابطة متلازمة، لأن العالم إذا لم يملك التصرف ولم يهيمن على شيء فلا فعالية لعلمه ... فإذا اجتمع كل ذلك وتلك الصفات: العلم والملك والتقديس والهيمنة، حصل الكمال والجلال، ولا يكون ذلك إلا لله وحده العزيز الجبار المتكبر، ولا يُشْرِكُه أحدٌ في شيء من ذلك سبحانه وتعالى عما يشركون {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}، وهنا وفي نهاية هذا السياق يقف المؤمن وقفة إجلال وتعظيم لله، فالخالق هو المقدر قبل الإيجاد، والبارئ: الموجِد من العدم على مقتضى الخلق والتقدير، والمصور: المشكل لكل موجود على الصورة التي أوجده عليها، والمهيمن: يُسَيِّرُ ما يوجِدُه على مقتضى ما يقدره، والمتكبر: الذي لا يتطاول لكبريائه مخلوق.

وفي نهاية السياق إقامة البرهان الملزم، وانتزاع الاعتراف والتسليم {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} وهو أعظم دليل كما تقدم ... وهنا عودٌ على بدء يختم السورة بما بدأت به مع بيان موجباته واستحقاقه وآيات وحدانيته، سبحانه لا إله إلا هو العزيز الحكيم" (١).

وعند قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة: ٥] يقول: "قال الشيخ -رحمةُ الله تعالى علينا وعليه- في إملائه: (وهذا مثلٌ ضربه الله لليهود، وهو أنّه شبههم بحمار، وشبّه التوراة التي كلفوا العملَ بما فيها بأسفار، أي: كُتُبٍ جامعة للعلوم النافعة. وشبّه تكليفهم بالتوراة بحمل ذلك الحمار لتلك الأسفار، فكما أن الحمار لا ينتفع بتلك العلوم النافعة التي


(١) أضواء البيان، بتصرف، ٨/ ٧٥ - ٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>