للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في تلك الكتب المحمولة على ظهره، كذلك اليهود لم ينتفعوا بما في التوراة من العلوم النافعة، لأنهم كلفوا باتباع محمد -صلى الله عليه وسلم- وإظهار صفاته للناس فخانوا، وحرّفوا وبدّلوا فلم ينفعهم ما في كتابهم من العلوم) والذي ينبغي التنبيه عليه هو أن أكثر المفسرين يجعله من قبيل التشبيه المفرد، وأن وجه الشبه فيه مفرد، وهو عدم الانتفاع بالمحمول كالبيت الذي فيه:

كالعيسِ في البيداء يقتلُها الظَّمَا ... والماءُ فوقَ ظهورِها محمولُ

والذي يظهر -والله أعلم- أنه من قبل التشبيه التمثيلي، لأن وجه الشبه مركب من مجموع كون المحمول كتبًا نافعة، والحاملِ حمارًا لا علاقة له بها بخلاف ما في البيت، لأن العيس يمكن أن تنتفع بالماء لو حصلت عليه، والحمار لا ينتفع بالأسفار ولو نشرت بين عينه، وفيه إشارة إلى أن من موجبات نقل النبوة عن بني إسرائيل كُلِّيَّةً أنهم وصلوا إلما حدّ الإلباس من انتفاعهم بأمانة التبليغ والعمل، فنقلها الله إلى قوم أحقَّ بها، وبالقيام بها" (١).

ورحم الله الشيخ عطية رحمةً واسع فجلُّ المفسرين الذين لهم عناية بالقضايا البيانية عَدُّوا التشبيه في هذه الآية الكريمة تشبيه تمثيل، وكذلك البيت الذي ذكره الشيخ -رحمه الله- وقال إنه من قبيل التشبيه المفرد وهو في الحقيقة تشبيه تمثيل كذلك.

وعند قوله تعالى في سورة الشرح {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (٢) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (٣) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (٤)} يقول: "ذكر تعالى هنا ثلاث مسائل: شرح الصدر، ووضع الوزر، ورفع الذكر. وهي وإن كانت مُصَدَّرَةٌ بالاستفهام فهو استفهام تقريري لتقرير الإثبات، فقوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ} بمعنى: شرحنا على المبدأ المعروف من أن نفي النفي إثبات، وذلك لأن همزة الاستفهام


(١) المصدر السابق، ٨/ ١١٧ - ١١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>