ولقد تفرع عن رأي الأستاذ دروزة في الجهاد، جزئيات ومسائل كان تكلفه ظاهرًا فيها. ومن هذه المسائل تقريره بأن المشركين إذا انتهى عهدهم، لا يكونون محل براءة من الله ورسوله. وهذا ما يخالف فيه المفسرين كما يقول، ومنها أن التوبة وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ليست المخرج الوحيد لعدم قتال المشركين، بل هناك مخارج أخرى، مع أن النص القرآني واضح في الرد على هذا، ومنها أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يرفض يومًا ما طلب صلح أو عهد أمان من أعداء محتربين، ولا أدري كيف يفسر الأستاذ دروزة رفض الرسول - صلى الله عليه وسلم - تجديد عهد قريش حينما ذهب أبو سفيان لذلك.
ومما أغرب فيه تقسيمه أهل الكتاب إلى قسمين: قسم يدين دين الحق، وقسم ليس كذلك، مستدلًا لهذا بأن حرف الجر (مِنْ) هنا للتبعيض مع أنه لا سياق الآية، ولا أحد المفسرين -حسب ما اطلعت عليه- يؤيد هذا القول، بل صرح بعض المفسرين بأن (من للبيان وليست للتبعيض)، كما فعل النيسابوري. والذين لم يصرحوا منهم اعتمدوا على بدهية هذه المسألة. ومستدلًا أيضًا بقوله تعالى:{لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ}[التوبة: ٢٩] وذلك أنهم ليسوا سواء هكذا، بل منهم المؤمنون بالله واليوم الآخر، مع أنه وهو يفسر سورة (الكافرون)، قرر هناك أن العرب وإن اعترفوا بأن الله خلق السموات والأرض وخلقهم، لأنهم أشركوا به لا يسمون مؤمنين، بينما رأيناه هنا يتناقض مع قوله هناك.
ومن أجل ذلك كله، ومن أجل تدعيم رأيه في الجهاد، يرفض أن تكون كلمة (ورسوله) في الآية مقصودًا بها الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأن يكون (دين الحق) فيها هو دين الإسلام، بحجة أن هذا يتنافى مع المبدأ المحكم الذي قررته آية {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (١٩٠)} [البقرة: ١٩٠]، ولا أدري من أين أتت تلك المنافاة؟
اللهم يا حكيم نسألك أن تؤتينا الحكمة في فهم كتابك {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}[البقرة: ٢٩٦].