وفي تفسيره لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (٥٦)} [غافر: ٥٦] يقول: "في الآية تنديد بالذين يجادلون في آيات الله ويكابرون فيها، بغير برهان وعلم وتقرير لواقع امرهم من حيث إنهم يكونون مندفعين في ذلك بمسائق الغرور، وتطمين وتثبيت للنبي حيث تأمره بالاعتصام بالله والاستعاذة به، فهو السميع الذي يسمع كل شيء والبصير الذي يرى كل شيء، وليكون على ثقة أنهم لن يصلوا إلى ما يرمون إليه، من تعطيل آيات الله ودحضها"(١).
إن القارئ العادي لا يمكن أن يفهم التحليل اللفظي لهذه الآية، وبخاصة قول الله:{إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ}. ومع أن المفسر لم يبين هذا، إلا أنه بدأ ينقل روايات تفهم مدنية الآية، وأنها نزلت في الدجال ويحيل القارئ إلى تفسير الخازن والبغوي، ويعجب من عدم إيراد الطبري لها -مع أن ذلك منه هو العجب- ويصل إلى القول بأن ظهور الدجال، ونزول المسيح عليه السلام، ربما كان منتشرًا عند النصارى في زمنه - صلى الله عليه وسلم -، لما كان بينهم وبين اليهود من مشادة. ويستدل على هذا الاحتمال كما يقول، بالحديث الذي ورد عن تميم الداري، وبالإصحاح الثاني من رسالة القديس يوحنا الأول من أسفار العهد القديم. مع أن الآية مكية بلا نزاع من حيث أسلوبها وسياقها.
ويقول في تفسير قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (١٥)} [الأنفال: ١٥]: " {فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (١٥)} أي: لا تقلبوا ظهوركم للعدو وتفروا أمامه ... وفي هذه الآية والتي بعدها خطاب موجه للمسلمين، شدد فيه التنبيه والإنذار بعدم الفرار من أمام العدو، حينما يتزاحفون على بعضهم للقتال، ومن يفعل ذلك بدون قصد حربي مشروع، كاستهداف