للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كيف تجد سياقه يدل على أنه الذليل الحقير (١).

وأذكر هنا بعض الأمثلة التي تبين أهمية السياق في ترجيح المعنى.

١ - قوله تعالى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (٧٦)} [البقرة: ٧٦].

اختلف أهل التأويل في بيان المقصود من قول القائلين: {قَالوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ} ذكر القرطبي قولين فقيل: {بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ - من العذاب- لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ}، هؤلاء ناس من اليهود آمنوا ثم نافقوا، فكانوا يحدثون المؤمنين من العرب بما عذبوا به، فقال بعضهم لبعض: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم من العذاب ليقولوا نحن أحب إلى الله منكم، وأكرم على الله منكم، وهي رواية عن السدي.

وقيل: إن عليًّا لما نازل قريظة يوم خيبر سمع سب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانصرف إليه وقال: يا رسول الله، لا تبلغ إليهم، وعرَّض له، فقال: "أظنك سمعت شتمي منهم، لو رأوني لكفوا عن ذلك" ونهض إليهم، فلما رأوه أمسكوا، فقال لهم: "أنقضتم العهد يا إخوة القردة والخنازير أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته" فقالوا: ما كنت جاهلًا يا محمد فلا تجهل علينا، من حدثك بهذا؟ ما خرج هذا الخبر إلا من عندنا، روي هذا المعنى عن مجاهد (٢).

وهذان القولان لا ينهضان لمخالفتهما السياق، فالسياق حديث عن إيمان اليهود بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وبعثته التي أخبرت بها التوراة، فالإيمان إذا أطلق قصد به الإيمان ببعثة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيكون المقصود من التحديث بما فتح الله عليكم،


(١) بدائع الفوائد (٤/ ٩).
(٢) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن ج ٢ ص ٢ - ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>