أي: بما أنزله في التوراة من ذكر نعته عليه السلام، فلم يرد للعذاب الذي تعرض له اليهود ذكر، -كما جاءت الرواية عن السدي أنه قال: المقصود من الفتح العذاب الذي ذاقه اليهود، وكما قال مجاهد-، وإنما الفتح: نعت النبي -عليه السلام- في التوراة، فالآية التي قبل هذه الآية هي قوله تعالى:{أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} وهذا يكفي لرد ما قاله السدّي وغيره.
يقول الألوسي:{أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} أي: تخبرون المؤمنين بما بينه الله تعالى لكم خاصة من نعت نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -، أو من أخذ العهود على أنبيائكم بتصديقه - صلى الله عليه وسلم - ونصرته والتعبير عنه بالفتح للإيذان بأنه سرّ مكتوم وباب مغلق" (١).
٢ - قوله تعالى:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}[البقرة: ١١٤] اختلف العلماء في تأويل هذه الآية الكريمة، فذهب بعضهم إلى أن المقصود المسجد الأقصى والمانعون النصارى وقال آخرون، بل هو المسجد الحرام، فأهل مكة هم الذين منعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين من أن يذكروا الله في المسجد الحرام، وسعوا في خرابه بعبادة الأصنام، وفعل المنكر.
ويذكر الطبري أن أولى التأويلات أن النصارى هم الذين سعوا في خراب بيت المقدس، وذلك أن مشركي قريش لم يسعوا قط في تخريب المسجد الحرام، وإن كانوا قد منعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض الأوقات، وأيضًا أن الآية التي قبل قوله {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}[البقرة: ١١٤] مضت بالخبر عن اليهود والنصارى وذم أفعالهم، والتي بعدها نبهت بذم النصارى والخبر عن افترائهم على ربهم ولم يجر لقريش ولا لمشركي العرب ذكر ولا للمسجد الحرام قبلها ... فالذي هو أولى بالآية أن يوجه تأويلها إليه