وقال آخرون: معنى ذلك أنه يمحو من قد حان أجله ويثبت من لم يجئ أجله إلى أجله ذكر من قال ذلك عن الحسن. وعن مجاهد قول الله:{يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ... } قالت قريش حين أنزل {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} ما نراك يا محمد تملك من شيء، ولقد فرغ من الأمر. فأنزلت هذه الآية تخويفًا، ووعيدًا لهم، أنّا إن شئنا أحدثنا له من أمرنا ما شئنا، ونحدث في كل رمضان فنمحو ونثبت ما نشاء من أرزاق الناس ومصائبهم وما نعطيهم وما نقسم لهم.
وقال آخرون: معنى ذلك: ويغفر ما يشاء من ذنوب عباده، ويترك ما يشاء فلا يغفر.
وأولى الأقوال التي ذكرت في ذلك بتأويل الآية وأشبهها بالصواب القول الذي ذكرناه عن الحسن ومجاهد. وذلك أن الله تعالى ذكره، توعد المشركين الذين سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الآيات بالعقوبة وتهددهم بها، وقال لهم:{وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ}. يعلمهم بذلك ان لقضائه فيهم أجلًا مثبتًا في كتاب هم مؤخرون إلى وقت مجيء ذلك الأجل ثم قال لهم: فإذا جاء ذلك الأجل يجيء الله بما يشاء ممن قد دنا أجله وانقطع رزقه أو حان هلاكه، أو اتضاعه من رفعة، أو هلاك مال، فيقضي ذلك في خلقه، فذلك محوه، ويثبت ما يشاء ممن بقي أجله ورزقه وكله فيتركه على ما هو عليه فلا يمحو وبهذا المعنى جاء الأثر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك ما حدثني ... عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الله يفتح الذكر في ثلاث يبقين من الليل في الساعة الأولى منهن ينظر في الكتاب الذي لا ينظر فيه أحد غيره فيمحو ما يشاء ويثبت. ثم ذكر ما في الساعتين الآخرتين (١).