للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كعب الأحبار ووهب بن منبه بين المسلمين من الصحابة والتابعين، ولو صح في حديث مرفوع بسماع صحيح على أن المراد به الإشارة إلى أن هذه المظاهر الكونية تقع بفعل ملك موكل بالسحاب ولكن لا حاجة إلى ذلك مع عدم صحة شيء في المسألة وبالملائكة من عالم الغيب) (١).

إذًا فعهد الصحابة رضوان الله عليهم، نستطيع أن نقول فيه إنه عهد لم تجد فيه الإسرائيليات تربتها الخصبة، ولم تنم فيه النمو الذي وجدناه فيما بعد، فلقد كانت تشرق في نفوسهم أنوار النبوة ولقد كانت الواجبات عندهم أكثر من الأوقات. فليس هناك الوقت الذي يُقضى في مثل هذه المسائل.

ويأتي عصر التابعين بعد ذلك، ويزداد اتصال المسلمين بغيرهم من الأمم، ويكثر الداخلون في الإسلام من أهل الكتاب، ومن الطبيعي إذًا أن يتفاعل هؤلاء مع أولئك، وحب الاستطلاع أمر فطري في الإنسان، وهنا تبدأ تلك البضاعة، بضاعة الإسرائيليات تجد رواجها، والتربة الخصبة التي تنمو فيها، بخاصة وقد أصبح من بعض ألوان الوعظ أن تحكى هذه القصص في المساجد، ومن هنا كان لها أثرها الواضح في التفسير، مما جعل كثيرًا من الأئمة ينفرون منها وينفرون عنها فهذا علي رضي الله عنه وهو آخر الخلفاء الراشدين، وقد رأى أن هذا القصص بدأ يشق طريقه إلى الناس، يقول: (من حدث بحديث داود على ما يرويه القصاص جلدته مائة وستين جلدة وهو حدّ الفرية على الأنبياء) (٢) وهذا ابن عون يقول: (دخلنا على ابن سيرين فقال: ما كان اليوم من خبر؟ فقلت: نهى الأمير القصاص أن يقصوا فقال: (وفق للصواب) وروي أن ابن عمر خرج من المسجد فقال: (ما أخرجني إلا القصاص ولولاه لما خرجت). ومما يدلنا على أن هؤلاء القصاص كانوا يبدون عناية خاصة بالقصص الإسرائيلي، أن نوف بن فضالة كان يقص بالكوفة، وقد ذكر


(١) المنار (١/ ١٧٤ - ١٧٥).
(٢) وهو اجتهاد منه رضي الله عنه إلا أن الزين العراقي نفى صحة هذا الخبر عنه: روح المعاني ج ٢٣ ص ١٨٥ المطبعة المنيرية.

<<  <  ج: ص:  >  >>