الوساوس والهواجس وخطرات النفوس، فلكل قراءة وجهة حري بالدعاة إلى الله أن يحسبوا لها حسابًا وهم يقارعون الباطل والشر {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ}[الأعراف: ٢٠١] والرسل سادة المتقين.
٧ - وهناك مثال آخر في الاختلاف في القراءات، هذه القراءة أعمل العلماء فيها أفكارهم وأكدّوا فيها أذهانهم بل كُتبت فيها الرسائل الكثيرة وكانت بحقٍّ مثالًا يدلّ على عناية أئمتنا بهذا الكتاب الكريم. تلكم هي الآية الكريمة في سورة هود عليه السلام {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ}[هود: ٨١].
فقراءة ابن كثير وأبي عمرو "امرأتُك" بضم التاء، وباقي السبعة بفتحها "امرأتَك".
والتوجيه الإعرابي يسهُل لكلّ من هاتين القراءتين، فيمكن أن تكون قراءة الرفع على البدلية من "أحدٌ" وقراءة النصب على الاستثناء. وهي قضية خلافية بين النحويين فمثل هذا النمط من الاستثناء يجريه بعض النحاة على البدلية ويعضُهم على الاستثناء. ومثله قوله سبحانه {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ}[النساء: ٦٦] وفي قراءة "إلَّا قليلًا". وهناك توجيه آخر لقراءة النصب وهو أن قوله تعالى "إلا امرأتَك" ليس استثناءً من "أحد" بل هو استثناء من قوله سبحانه "بأهلك" فالمعنى على قراءة الرفع أن امرأته سَرَت معهم لكنها التفتت فأصابها ما أصاب قومها.
والمعنى على قراءة النصب أن امرأته لم تسرِ معهم فأصابها ما أصاب قومها وهي على مكانها، فالمعنى هنا "فأسر بأهلك إلَّا امرأتَك" أي إنه لم يؤمر باصطحابها. هذان توجيهان لقراءة النصب على كون الاستثناء متصلًا، أحدهما أنَّه استثناء من قوله تعالى "أحد" والآخر أنَّه استثناء من قوله تعالى: "بأهلك"