أمَّا التوجيه الثالث لقراءة النصب فهو أن الاستثناء منقطع وعليه يكون المعنى "ولا يلتفتْ منكم أحدٌ لكن امرأتَك" فكأنّها ليست من أهله.
إنَّ التوجيه الإعرابي ليس فيه إشكال لدى العلماء، ولكن الإشكال فيما يتصل بالمعنى، فقد ذكر الزمخشري أنّ هناك روايتين في التفسير إحداهما جاء فيها أنّ امرأته قد سَرَت معهم فالتفتت وهذه الرواية تؤيد قراءة الرفع، والرواية الأخرى أن امرأته لم تسرِ معهم وهذا يؤيد قراءة النصب.
قال الزمخشري رحمه الله:"قرئ "فأسرِ" بالقطع والوصل، و"إلا امرأتك" بالرفع والنصب. . . فإنْ قلتَ: ما وجه قراءة من قرأ "إلا امرأتَك" بالنصب؟ قلت: استثناها من قوله "فأسر بأهلك" والدليل عليه قراءة عبد الله: "فأسرِ بأهلك بقطعٍ من الليل إلا امرأتَك" ويجوز أن ينتصب عن لا يلتفت، على أصل الاستثناء وإن كان الفصيح هو البدل، أعني قراءة من قرأ بالرفع، فأبدلها عن أحد وفي إخراجها مع أهله روايتان: روي أنَّه أخرجها معهم، وأُمر أنْ لا يلتفت منهم أحد إلَّا هي، فلما سمعت هدّة العذاب التفتت وقالت: يا قوماه، فأدركها حجر فقتلها. ورُوي أنَّه أُمر بأن يخلفها مع قومها فإن هواها إليهم، فلم يسرِ بها. واختلاف القراءتين لاختلاف الروايتين"(١).
لكن الذي قاله الزمخشري كان مثار نقاشٍ حادّ بين العلماء، فقد ردّه كثيرٌ من علماء اللغة والأصول والتفسير. ومن هؤلاء الشيخ ابن الحاجب.
قالوا: إنَّ القراءتين متواترتان، أما الروايتان فلا شكّ أن إحداهما غير صحيحة لأنَّ امرأة لوط إمّا أن تكون قد خرجت معهم فأسري بها، أو لم تخرج معهم ولم يُسْرَ بها، وإن كنّا لا نستطيع أن نجمع بين الروايتَيْن ويجب أن نردّ إحداهما فلا يجوز أن نفسّر بهما القراءتين المتواترتَيْن. هذه خلاصة ما