للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح: ٢٩] ووردت كلمة "كفّار" في سورة الحديد في قوله سبحانه: {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ} [الحديد: ٢٠] فكلمة "كفّار" في الآية الأولى لا تُحْمل إلَّا على معنى واحد هو أنهم غير المؤمنين. أمَّا كلمة "كفّار" في الآية الثانية فقد تُحمَل على معنى آخر وهم "الزُّرّاع" لأنَّ الزارع يسمّى كافرًا لأنه يستر الحَبّ في الأرض، والكفر هو السَّتْر وهذا هو المعنى الراجح لكلمة "كفّار" في سورة الحديد.

والاختلاف الناشئ عن اللغة قد يكون مرجعه الاشتراك، والاشتراك أن يكون للفظ أكثر من معنى، وقد تكون هذه المعاني متضادة فيدخل في قسم الأضداد، وقد يكون مرجعه غير ذلك كما سنبينه إن شاء الله في الأمثلة الآتية:

١ - قوله سبحانه: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: ٢٠٥].

فلقد اختلف المفسرون في معنى قوله سبحانه (تولى)، فقال بعضهم: معناها أدبر وأعرض وقال آخرون: صار ذا منصب وولاية، وهذا الفعل صالح لهذين المعنيين إلا أن الذي نراه أقرب في فهم الآية الكريمة، هو المعنى الأوّل، وهذا ما يؤيده سياقها وسباقها، فهي حديث عن هذا الذي يعجبك حديثه، وتروقك حلاوة لسانه وتسمع لقوله إذا قال، مؤكدًا ذلك بالأيمان المغلظة وبشهادة الله على ما في قلبه، وهو ذو لدد في خصومته، فإذا ترك مجلسك وأعرض عنك، كان فعله كله شرًّا، يناقض كل ما سمعته منه. هذا هو الأليق بمعنى التولي.

أما تفسير التولي بالمنصب والولاية، فهو بعيد من جهة، ثمَّ إن التفسير الأوّل يغني عنه من جهة أخرى؛ لأنه إذا أعرض كان منه هذا الشر، فما بالك إذا كان ذا منصب وولاية، وهكذا ينبغي أن نوازن بين الأقوال التي ترد في

<<  <  ج: ص:  >  >>