وذهب أبو مسلم إلى أنَّه لا نسخ لحكم الآيتين بل الآية الأولى في السحاقيات وهن النساء اللاتي تستمتع بعضهن ببعض وحدهن الحبس، والآية الثانية في اللائطين وحدهما الإيذاء، وأما حكم الزناة فسيأتي في سورة النور، وزيف هذا القول بأنّه لم يقل به أحد، وبأن الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا في حكم اللوطي ولم يتمسك أحد منهم بهذه الآية، وعدم تمسكهم بها مع شدة احتياجهم إلى نص يدلّ على الحكم دليل على أن الآية ليست في ذلك، وأيضًا جعل الحبس في البيت عقوبة السحاق مما لا معنى له لأنه مما لا يتوقف على الخروج كالزنا، فلو كان المراد السحاقيات لكانت العقوبة لهن عدم اختلاط بعضهن ببعض لا الحبس والمنع من الخروج، فحيث جعل هو عقوبة دلّ ذلك على أن المراد باللاتي يأتين الفاحشة (الزانيات) وأجاب أبو مسلم بأنّه قول مجاهد وهو من أكابر المفسرين المتقدمين وقد قال غير واحد: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به. على أنَّه تقرر في الأصول أن استنباط تأويل جديد في الآية لم يذكره المتقدمون جائز، وبأن مطلوب الصحابة رضي الله تعالى عنهم معرفة حدّ اللوطي وكمية ذلك، وليس في الآية دلالة عليه بالنفي والإثبات، ومطلق الإيذاء لا يصلح حدًا، ولا بيانًا للكمية فلذا اختلفوا، وبأن المراد من إمساكهن في البيوت حبسهن فيها واتخاذها سجنًا عليهن ومن حال المسجون منع من يريد الدخول عليه وعدم تمكينه من الاختلاط، فكان الكلام في قوة فامنعوهن عن اختلاط بعضهن ببعض على أن الحبس المذكور حدّ، وليس المقصود منه إلا الزجر والتنكيل، وأيد مذهبه بتمحيض التأنيث في الآية الأولى والتذكير في الآية الثانية، والتغليب خلاف الأصل، ويبعده أيضًا لفظ (منكم) فإن المتبادر منه من رجالكم كما في قوله تعالى: {أربعة منكم} وأيضًا لو كان كل واحد من الآيتين واردًا في الزنا يلزم أن يذكر الشيء الواحد في الموضع الواحد مرتين وأنه تكرير لا وجه له وأيضًا على هذا التقرير لا يحتاج إلى التزام النسخ في شيء من الآيتين بل يكون حكم كل واحدة منهما مقدرًا على حاله، وعلى ما قاله