ثانيًا: قال تعالى في سورة الأحقاف: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ}[الأحقاف: ١٠] فالمشتهر عند أكثر المفسرين أنّ الشاهد هو عبد الله بن سلام -رضي الله عنه -. لكنّ مسروقًا رحمه الله وهو من أئمة التابعين يقسم أن هذه الآية لم تنزل في عبد الله بن سلام؛ لأنَّ عبد الله بن سلام أسلم بعد الهجرة، وسورة الأحقاف مكيّة باتفاق. وقد نصر ابن جرير الطبري هذا القول واستدلّ له بالسياق كذلك وهو أنّ ما قبل هذه الآية لم يكن فيه ذكر لأهل الكتاب.
فمعنى الآية إذن: أخبروني إنْ كان هذا القرآن من عند الله وكفرتم أنتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل وهو كليم الله موسى بن عمران على مثله أي شهد على مِثْلِ القرآن وبشَّرَ بالقرآن فآمن به قبل أن ينزل واستكبرتم أنتم ولكنّ ابن جرير الطبري - سامحه الله - بعد أن نَصَرَ هذا القول من حيث التاريخ والسياق عاد ليسوِّغ قبول القول الآخر وهو أن الشاهد عبد الله بن سلام، بحجة أن هذا هو الذي روي عن الصحابة سامح الله ابن جرير الطبري ورحمه ورضي عنه، فليته بقي على تمسّكه بالقول الذي أقام له الحجّة.
فالمشتهر عند المفسّرين أنّ معنى (زنيم) الدّعيّ أي ابن الزنا. وعلى الرغم من اشتهار هذا القول إلَّا أنَّه حريّ به أن يردّ وذلك لما يلي:
١ - لأنَّ كلمة (زنيم) لها في اللغة معانٍ كثيرة: منها الجاف الفظّ.
٢ - إنّ القرآن الكريم - وهو كتاب الأدب والحياة - لا يذكر مثل هذه الصفة، بل إنّ المتفق عليه عند الأئمة منذ عهد النبوة هو عدم التفرقة من حيث الحقوق والواجبات بين ابن الزنا وغيره.