للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كي تصلح سياسة الأمة على ما قصده الدين منها. من أجل ذلك عُقب التحريض على الجهاد بما يبين أن ليس من المصلحة تمحض المسلمين كلّهم لأنَّ يكونوا غزاة أو جندًا، وأن ليس حظ القائم بواجب التعليم دون حظ الغازي في سبيل الله من حيث إن كليهما يقوم بعمل لتأييد الدين، فهذا يؤيده بتوسيع سلطانه وتكثير أتباعه والآخر يؤيده بتثبيت ذلك السلطان وإعداده لأنَّ يصدر عنه ما يضمن انتظام أمره وطول دوامه، فإن اتساع الفتوح وبسالة الأمة لا يكفيان لاستبقاء سلطانها إذا هي خلت من جماعة صالحة من العلماء والساسة وأولي الرأي المهتمّين بتدبير ذلك السلطان" (١).

وقال سيد قطب رحمه الله:

"والذي يستقيم عندنا في تفسير الآية: أنّ المؤمنين لا ينفرون كافة ولكن تنفر من كلّ فرقة منهم طائفة - على التناوب بين من ينفرون ومن يبقون - لتتفقه هذه الطائفة في الدين بالنفير والخروج والجهاد والحركة بهذه العقيدة وتنذر الباقين من قومها إذا رجعت إليهم بما رأته وفقهته، من هذا الدين في أثناء الجهاد والحركة.

والوجه في هذا الذي ذهبنا إليه - وله أصل من تأويل ابن عباس -رضي الله عنهما ومن تفسير الحسن البصري واختيار ابن جرير وقول لابن كثير - أن هذا الدين منهج حركي لا يفقهه إلَّا من يتحرك به، فالذين يخرجون للجهاد أولى الناس بفقهه بما ينكشف لهم من أسراره ومعانيه وبما يتجلّى لهم من آياته وتطبيقاته العملية في أثناء الحركة به، أمَّا الذين يقعدون فهم الذين يحتاجون أن يتلقوا ممّن تحرّكوا؛ لأنهم لم يشاهدوا ما شاهد الذين خرجوا، ولا فقهوا فقههم، ولا وصلوا من أسرار هذا الدين ما وصل إليه المتحركون، وبخاصة إذا كان الخروج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والخروج بصفة عامة أدنى إلى الفهم والتفقّه.


(١) التحرير والتنوير: ج ١٠/ ص ٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>