ولعلّ هذا عكس ما يتبادر إلى الذهن من أن المتخلفين عن الغزو والجهاد والحركة هم الذين يتفرّغون للتفقّه في الدين، ولكن هذا وهم ... إن فقه هذا الدين لا ينبثق إلّا في أرض الحركة ولا يؤخذ عن فقيه قاعد حيث تجب الحركة ... إن الفقه الإسلامي وليد الحركة الإسلامية فقد وجد الدين أولًا ثم وجد الفقه، وليس العكس هو الصحيح" (١).
ونحن نرجح ما ذهب إليه شيخ المفسرين وصاحب الظلال - رحمهما الله - لانسجامه مع السياق.
ثانيًا: قال تعالى: {فَقَالوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ}[طه: ٨٨].
اختلف المفسرون في مرجع الضمير في (فنسي)، فقال بعضهم إنه يعود إلى موسى عليه الصلاة والسلام، وقال آخرون إنّه يرجع إلى السامري.
فعلى الأول يكون المعنى: هذا إلهكم وإله موسى فنسي موسى إلهه.
فيكون قوله (فنسي) من كلام السامري.
وعلى الثاني - وهو أن الضمير يرجع إلى السامري - يكون كلام السامري قد انتهى عند قوله {إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى}، ثم قال تعالى (فنسي) أي فنسي السامري بطلان عمله ونسي الحق الذي كان يتبعه.
وعلى الرغم من أن أكثر المفسرين رجحوا القول الأول، إلا أننا نرجح القول الثاني وذلك لأمرين:
١ - لأنّ هذا ما يرجحه النظم.
٢ - إنه - وإن كان السامريُّ جاحدًا- لا يبلغ به جهله وصفاقته إلى اتّهام موسى بالنسيان، وبنو إسرائيل الذين صنع لهم العجل كانوا أولى بالنسيان، لكن النسيان إنما يكون لشيء كان في الذاكرة من قبل، وقضية العجل ليست من هذا القبيل ومع ذلك فإن كلا القولين غير مستبعد.