مقرهم الطبيعي كما أن التعبير عن كونهم في الأرحام أو في القبر بالاستيداع لما أن كلا منهما ليس بمقرهم الطبيعي.
وأخرج جماعة منهم الحاكم وصححه من طرق عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما-: أن المستقر الرحم والمستودع الأصلاب، ويؤيد تفسير المستقر بالرحم قوله تعالى. {وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ}[الحج: ٥] وأما تفسير المستودع بالأصلاب، فقال شيخ الإسلام: إنه ليس بواضح وليس كما قال، فقد ذكر الإمام بعد أن فرق بين المستقر والمستودع، بأن المستقر أقرب إلى الثبات من المستودع، ومما يدل على قوة هذا القول المعنى المروي عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما-: أن النطفة الواحدة لا تبقى في صلب الأب زمانًا طويلًا والجنين يبقى زمانًا طويلًا ولما كان المكث في الرحم أكثر مما في صلب الأب كان حمل الاستقرار على المكث في الرحم أولى، ويلزم ذلك أن حمل الاستيداع على المكث في الصلب أولى. وأنا أقول لعل حمل المستودع على الصلب باعتبار أن الله تعالى بعد أن أخرج من بني آدم عليه السلام من ظهورهم ذريتهم يوم الميثاق وأشهدهم على أنفسهم وكان ما كان ردهم إلى ما أخرجهم منه فكأنهم وديعة هناك تخرج حين يشاء الله تعالى ... وروى تفسير المستودع بالدنيا والمستقر بالقبر ... وعن أبي مسلم الأصفهاني أن المستقر الذكر، لأن النطفة إنما تتولد في صلبه والمستودع الأنثى لأن رحمها شبيه بالمستودع لتلك النطفة" (١).
أليس في هذا دليل على أن المسلمين لم يجمدوا وهم يتلون هذا القرآن العظيم، بل كانوا يتدبرونه، من أجل أن يصلوا إلى المعنى الذي يتفق مع قدسية هذا القرآن الكريم وجلاله.