تاسعًا: وليس الطبرى وحده ينهج هذا المنهج، بل هو نهج مشاهير المفسّرين وحذّاقهم، فعند تفسير قوله تعالى في آية الكرسي {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ}[البقرة: ٢٥٥] يقول الشهاب الألوسي: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} أي أمر الدنيا (وما خلفهم) أي أمر الآخرة، وروي عكس ذلك. وقيل يعلم ما كان قبلهم، وما كان بعدهم، وقيل ما بين أيديهم من خير أو شرّ، وما خلفهم مما فعلوه كذلك، وقيل ما يدركونه وما لا يدركونه، أو يحسونه ويعقلونه، والكلّ محتمل ووجه الإطلاق فيه ظاهر (١).
عاشرًا: وهناك آيات كثيرة ورد في تفسيرها أقوال كثيرة؛ لأن اللغة تحتملها من جهة، ولم يرد في تفسيرها حديث صحيح من جهة ثانية منها قوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ}[الأنعام: ٩٨].
إني لأعجب من أولئك الذين يدّعون أن عالمًا فضلًا على أن يكون إمامًا يرى أنه لا يجوز أن يفسر كتاب الله إلا بما صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وليست هناك آية من كتاب الله إلا وأعمل المفسرون فيها فكرهم وبذلوا فيها الجهد وتحملوا الجهد كذلك، ولنستمع إلى ما قالوا نتيجة هذا الجهد.
قال الألوسي: أي لكم استقرار في الأصلاب أو فوق الأرض .. واستيداع في الأرحام أو في القبر، أو موضع استقرار واستيداع فيما ذكر. وجعل الصلب مقر النطفة والرحم مستودعها، لأنها تحصل في الصلب لا من قبل شخص آخر وفي الرحم من قبل الأب فأشبهت الوديعة فكأن الرجل أودعها ما كان عنده، وجعل وجه الأرض مستقرًا وبطنها مستودعا لتوطنهم في الأول، واتخاذهم المنازل والبيوت فيه وعدم شيء من ذلك في الثاني. وقيل: التعبير عن كونهم في الأصلاب أو فوق الأرض بالاستقرار لأنهما