وإذا نظرنا في هذه الأقوال كلها، نرى أنفسنا مضطرّين إلى ترجيح القول الأخير، لأن الله تبارك وتعالى أقسم بالصبح على أن هذا القرآن قول رسول كريم في سورة التكوير، وأقسم بالضحى على أنّ الله ما ودع نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وأقسم بالعصر على أن الإنسان لفي خسر، ومعنى ذلك أن الذي لا يبادر إلى عمل الخير، حتى يقرب انتهاء وقته في خسران.
أما القول إنه صلاة العصر، فالآية مكية، وفضل صلاة العصر إنما عرف بعد الهجرة.
وأما أنه الدهر، فهذا الإطلاق ليس شائعًا، أي إطلاق الدهر على العصر، وأما أنه عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا يكفي لترجيح هذا القول الحديث السابق. إذن فالذي نرجّحه في معنى العصر الطرف الأخير من النهار.
ثامنًا: قوله تعالى: {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ}[البروج: ٣] ساق ابن جرير الطبري رحمه الله في معنى (الشاهد والمشهود) الأقوال الآتية:
١ - أن الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة.
٢ - أن الشاهد يوم الأضحى والمشهود يوم عرفة.
٣ - أن الشاهد محمد -صلى الله عليه وسلم-، والمشهود يوم الجمعة في قول، ويوم عرفة في قول آخر.
٤ - أن الشاهد الله تعالى، والمشهود، قيل يوم القيامة، وقيل يوم الأضحى وقيل يوم الجمعة، ثم قال بعد أن ساق تلك الأقوال:"والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله أقسم بشاهد شَهِد، ومشهود شُهِد، ولم يخبرنا بذلك أي شاهد وأي مشهود أراد، وكل الذي ذكرنا أن العلماء قالوا هو المعني مما يستحق أن يقال له شاهد ومشهود"(١).