وللمسلمين من أنّ هذا الليل المدلهمّ لا بدّ أن يطلع فجره ويتنفّس صبحه، فكيف يُجْمع بين الفجر والليالي المدلهمّة في الظلمة؟ إنْ للسياق نصيبًا كبيرًا في فهم الآيات الكريمات والترجيح بين الأقوال المختلفة.
سابعًا: ومن الآيات التي اختلف المفسرون فيها على آراء كثيرة، تفسير العصر في قوله: {وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (٣)} [سورة العصر].
ذهب بعضهم إلى أنها صلاة العصر، واستدلوا بما لهذه الصلاة من فضل ومنزلة، وقال آخرون إنه الدهر مستدلين بما جاء في بعض القراءات (والعصر ونوائب الدهر) - وهي قراءة تفسيرية - وقال آخرون إنه عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- مستدلين بما جاء في الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام البخاري "مثل المسلمين واليهود والنصارى كمثل رجل استأجر قومًا يعملون له عملًا إلى الليل فعملوا إلى نصف النهار فقالوا: لا حاجة لنا إلى أجرك فأستأجر آخرين فقال أكملوا بقية يومكم ولكم الذي شرطت، فعملوا حتى إذا كان حين صلاة العصر قالوا لك ما عملنا فاستأجر قومًا فعملوا بقية يومهم حتى غابت الشمس واستكملوا أجر الفريقين"(١).
وقالوا إنه يؤخذ من هذا فضل النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث أقسم الله بعصره - زمانه - في هذه الآية وبمكانه في قوله {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} وبنفسه وعمره في قوله {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ}[الحجر: ٧٢] وأخذوا من هذا الحديث أيضًا أن بعثة الرسول -صلى الله عليه وسلم- كانت في آخر الساعة فما بين بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- وبين قيام الساعة، كما بين العصر وغروب الشمس.
وذهبت فئة رابعة إلى أن العصر هو الطرف الأخير من النهار، فلقد أقسم
(١) أخرجه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة، باب من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب.