وقال آخرون إنها العشر من المحرم، وذهبت فئة إلى أن المقصود بها العشر الأخيرة من رمضان، وهذه الروايات - وإن كان بعضها صحيحًا - فإنها ليست تفسيرًا للآية الكريمة إذ السورة مكية، وبيان فضيلة ما ذكروه لم يكن معروفا عند نزول السورة الكريمة، فإن فضيلة العشر من ذي الحجة، أو أيام المحرم، أو ليالي رمضان عُلم دْلك كله في المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام. ثم إن فضيلة عشر ذي الحجة وعشر المحرم يرجع إلى النهار، كما ذكر العلماء، والقول الذي يرجع إلى الليالي هو قول واحد، هو العشر الأخيرة من رمضان؛ لأن فيها ليلة القدر، ولما لم يكن هناك أثر صحيح في تفسير الآية الكريمة رأينا العلماء يعملون الفكر ويجتهدون، فذهب المحققون منهم إلى أن قوله تبارك وتعالى:{وَلَيَالٍ عَشْرٍ} يقصد بها الليالي التي يكون القمر فيها أكثر سطوعًا ونورًا، ويكون فيها بدرًا، وهي العشر الوسط من الشهر، أي من الليلة الحادية عشرة إلى الليلة العشرين، واستدلوا لما ذهبوا إليه بما يلي:
١ - أنها جاءت منكرة (وليال عشر) ولو كان المقصود بها شيئًا مما تقدم لقيل "الليالي العشر" أي الليالي المعهودة من المحرم أو من رمضان أو من ذي الحجة، لكن مجيئها منكرة يدل على أن المقصود شيء آخر.
٢ - أن سورة الفجر نزلت في ظرف كان المسلمون يعانون فيه كثيرًا من أذى أهل مكة، فكانت السورة بشارة لهم بأنَّ هذا الليل القاسي المدلهم سيعقبه فجر يسطع نوره، ويتنفس صبحه أنفاس العافية، وهو قول له وجاهته، والله أعلم بما ينزل.
وقد ذكر القاسمي - رحمه الله - في تفسيره أن الليالي العشر هي التي تكون أكثر ظلامًا فهي الخمس الأولى والخمس الأخيرة من كل شهر قمريّ. وهذا ينافي السياق منافاةً تامّةً لأنّ السورة جاءت بشارة للرسول -صلى الله عليه وسلم-