للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجوز نسبته لآحاد الفساق، والذي أختاره أن يوسف عليه السلام لم يقع منه همّ البتة بل هو منفي لوجود رؤية البرهان ... ولا التفات إلى قول الزجاج: ولو كان الكلام (ولهمّ بها) كان بعيدًا، فكيف مع سقوط اللام؛ لأنه يوهم أن قوله (وهمّ بها) هو جواب لولا، ونحن لم نقل بذلك، وإنما هو دليل الجواب، وعلى تقدير أن يكون نفس الجواب، فاللام ليست بلازمة لجواز أن ما يأتي جواب لولا إذا كان بصيغة الماضي باللام وبغير لام، تقول: لولا زيد لأكرمتك، ولولا زيد أكرمتك فمن ذهب إلى أن قوله (وهم بها) هو نفس الجواب، لم يبعد، ولا التفات لقول ابن عطية أن قول من قال إن الكلام قد تم في قوله "ولقد همت به" وأن جواب (لولا) في قوله وهم بها، وأن المعنى لولا أن رأى البرهان لهمّ بها، فلم يهم يوسف عليه السلام، قال: وهذا قول يرده لسان العرب، وأقوال السلف انتهى، أما قوله يرده لسان العرب، فليس كما ذكر، وقد استدل من ذهب إلى جواز ذلك بوجوده في لسان العرب، قال الله تعالى: {إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} [القصص: ١٠] أي لكادت تبدي به وأما أقوال السلف، فنعتقد أنه لا يصح عن أحد منهم شيء من ذلك؛ لأنها أقوال متكاذبة يناقض بعضها بعضًا مع كونها قادحة في بعض فساق المسلمين، فضلًا عن المقطوع لهم بالعصمة، والذي روي عن السلف لا يساعد عليه كلام العرب! لأنهم قدروا جواب لولا محذوفًا، ولا يدل عليه دليل لأنهم لم يقدروا (لهمّ بها) ولا يدل كلام العرب إلا على أن يكون المحذوف من معنى ما قبل الشرط؛ لأن ما قبل الشرط دليل عليه، ولا يحذف الشيء لغير دليل عليه، وقد طهرنا كتابنا هذا عن نقل ما في كتب التفسير مما لا يليق ذكره، واقتصرنا على ما دل عليه لسان العرب، ومساق الآيات التي في هذه السورة مما يدل على العصمة" (١).


(١) البحر المحيط (٥/ ٢٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>