وللعلماء جهود مشكورة في هذا الاتجاه، ويعلم الله أنهم لم يتركوا جملة ولا كلمة، بل لم يتركوا حرفًا من حروف هذا القرآن دون أن يبينوا جماله، وسر التعبير به، وبقي الأمر كذلك يكمل المتأخر ما بدأه المتقدم شاكرًا له جهده مقدرًا له ما أسهم به في تجلية آي الذكر الحكيم.
وفي النصف الأول من هذا القرن ظهرت مدرسة تسمّي نفسها: مدرسة التفسير البياني لآيات القرآن، مؤسس هذه المدرسة الشيخ أمين الخولي، الذي تخرّج في مدرسة القضاء الشرعي ثم ذهب إلى إيطاليا؛ حيث تسنى له أن يدرس اللغة الإيطالية وكان من أول ثمرات هذه المدرسة رسالة الفن القصصي في القرآن التي تقدم بها محمد أحمد خلف الله لنيل درجة الدكتوراه، ولقد احدثت ضجة، حيث وقف منها المنصفون وقفة استنكار وسخط لأنها جردت القرآن من صدقه وواقعيته، ووصفت كثيرًا من أخباره بالأساطير، وليس غرضنا الآن أن نتحدث عن هذا الموضوع الخطير، فلقد انبرى العلماء مشكورين للردّ عليه والتنبيه على خطر الفكرة من أساسها.
ولقد كان أكثر الناس تأثرًا بفكر الشيخ ومنهجه، تلميذته وزوجه الدكتورة بنت الشاطئ فلقد ترسمت خطاه فيما قدّمته من أبحاث وما ألقته من محاضرات وما أخرجته من كتب وسنقف عند كتابين كانا أكثر كتبها انتشارًا ضمنتهما ما لها من آراء مستمدة من هذا المنهج، وهذان الكتابان هما: التفسير البياني للقرآن الكريم. وهو تفسير لبعض قصار السور. والكتاب الثاني .. الإعجاز البياني للقرآن ومسائل ابن الأزرق، وعلى الرغم من أن لكل كتاب موضوعه الخاص به، إلا أن هناك قضايا مشتركة نجدها في كليهما.
وبادي بدء لا يسعنا إلا أن نعترف للكاتبة بما بذلته من جهد وبما كان لها من وقفات ونظرات تحليلية موفقة لبعض ما سجلته وعرضت له بالبحث، ولكنّ هذا التقدير لا يمنعنا، بل يحتم علينا أن نسجل بعض الملحوظات التي يمكن أن يكون لها نتائج خطيرة.