"وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية قول من قال "وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين" منسوخ بقول الله تعالى ذِكْرُهُ "فمن شهد منكم الشهر فليصمه" لأن الهاء التي في قوله "وعلى الذين يطيقونه" من ذكر الصيام ومعناه وعلى الذين يطيقون الصيام فدية طعام مسكين فإذا كان ذلك كذلك وكان الجميع من أهل الإسلام مجمعين على أن من كان مطيقًا من الرجال الأصحاء المقيمين غير المسافرين صوم شهر رمضان فغير جائز له الإفطار فيه والافتداء منه بطعام كان معلومًا أن الآية منسوخة هذا مع ما يؤيد هذا القول من الاخبار التي ذكرناها آنفًا عن معاذ بن جبل وابن عمر وسلمة بن الأكوع من أنهم كانوا بعد نزول هذه الآية على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صوم شهر رمضان بالخيار بين صومه وسقوط الفدية عنهم وبين الإفطار والافتداء من إفطاره بإطعام مسكين لكل يوم وأنهم كانوا يفعلون ذلك حتى نزلت "فمن شهد منكم الشهر فليصمه" فألزموا فرض صومه وبطل الخيار والفدية.
الطبري إذن لم يوهن القول بالنسخ بل اختاره ورجحه ودلل له، وكذلك الزمخشري ذو القدم الراسخة؟ في البيان العربي، وكذلك النحوي اوؤي أبو حيّان، كلُّ أولئك وغيرهم رأوا أن خير ما تحمل عليه الآية هذا الوجه من التأويل، فليس فيه تكلف، ولا تحميل للنص ما لا يحمل.
بقي أن ننظر فيما اختارته الكاتبة مخالفة للمفسرين، وأنت أيها القارئ إذا رجعت البصر وأعدت النظر فيما نقلناه لك من كلامها وجدت أن في كلامها اضطرابًا وخفاءً فهي تقسم الناس أقسامًا ثلاثة:
أولًا: من يستطيعون الصوم وهؤلاء لا تقبل منهم الفدية.
ثانيًا: من لا يطيقون - كما تقول، ولم تقل من لا يستطيعون - وهؤلاء لا تقبل منهم الفدية كذلك لأن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها.
ثالثًا: إنما الفدية تيسير على من يطيقون، بمعنى من يستنفد الصوم طاقتهم وأقصى احتمالهم فليسوا بحيث يستطيعون القضاء عدة من أيام أخر.