للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضرورات الحياة (١)، ثم إن النعيم جاء موصوفًا. ثم إن وصف النعيم في مثل قول الله تعالى: {وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ} [التوبة: ٢١] وهذا الوصف لا يؤيده ما ذهبت إليه لأن وصف النعيم بالمقيم في الآخرة يدل على أن هناك نعيمًا في الدنيا ليس كذلك. وأيضًا فلقد استعملت كلمة نعيم مقصودًا بها النعيم الدنيوي في قول لبيد "وكل نعيم لا محالة زائل". لذلك استثنى منه نعيم الجنة والله أعلم.

الملحوظة السادسة: ظاهرة القسم بالواو: أطالت الكاتبة النفس في كتابيها التفسير البياني والإعجاز البياني وهي تتحدث عن القسم بالواو، فأتهمت وأنجدت وخلاصة ما ذهبت إليه أن القسم بالواو في أوائل السور خرج عن أصله، فالقسم إنما يكون لتعظيم المقسم به، ولكنه هنا ليس من هذا القبيل لذلك فإن القسم بالواو لا يحتاج إلى جواب، وهنا لم تأل الكاتبة جهدًا في النيل من المفسرين جميعًا ومعهم البلاغيون كذلك، فهم لم يفطنوا إلى ما فطنت إليه، بل سيطرت عليهم فكرة التعظيم؛ تعظيم المقسم به فوقعوا في الحيرة والاضطراب وبدأوا يتكلفون للقسم أي جواب، وإلا فما الصلة بين قوله {وَالْعَادِيَاتِ} وقوله {إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ}؟ وما الصلة بين قوله و {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} و {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}؟ إن ذلك كله ليس له ما يسوغه، لأن هذه الواو خرجت عن الأصل فلا داعي أن نجهد أنفسنا بالبحث عن جواب لهذا القسم. والذي أوقع المفسرين في هذا الخطأ وهذه الغفلة هو أن علماء البلاغة حينما قرروا أن الأمر والنهي والاستفهام والخبر يمكن أن يخرج كل منها عن الأصل الذي وضع له لم يقدروا أن القسم كذلك، وهناك خطأ آخر وقع فيه المفسرون، وهو أنهم حينما تحدثوا عن هذه الكلمات التي جاءت بعد الواو تحدثوا عنها مطلقة، فحينما تحدثوا عن الضحى تحدثوا عن الضوء في النهار كله، وحينما تحدثوا عن الليل وعن النجم أهملوا القيود التي ذكرها القرآن فلم يتحدثوا عن الليل إذا أدبر وإذا عسعس وإذا يسري وإذا سجى، ولم يتحدثوا عن


(١) وهذا ما تؤيده الأحاديث الكثيرة، والمرجع السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>