آناء الليل، فيكون ذلك تشريفًا لهذه الفئة، كما شرفت في قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}. ولكن الذي نطمئن إليه منسجمًا مع تدبر آي الذكر الحكيم أن الهمزة في الآية الكريمة للاستفهام لا للنداء؛ لأن الهمزة لم تستعمل للنداء في كتاب الله، ومن أراد مزيدًا فليرجع إلى مغني اللبيب في باب الهمزة.
ثانيًا: قال تعالى في سورة القمر: {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ}[القمر: ٥] فـ (ما) في قوله تعالى: {فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ} يحتمل أن تكون للاستفهام، أي: أيُّ إغناء يمكن أن تغنيه النذر؟ أو أي شيء يمكن أن يفيد منه الكفرة؟ ويمكن أن تكون للنفي، أي لا تغني النذر عن هؤلاء شيئًا، ونحن نعلم أن أسلوب الاستفهام الإنكاري قد يكون أحيانًا أبلغ من أسلوب النفي الصريح، وهذا الذي قرره أئمة البيان والمفسرون.
ثالثًا: قال تعالى: {لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ}[يس: ٣٥] اختلف المفسرون في معنى (ما) من قوله (وما عملته)، قال قوم: إنها نافية، والمعنى: أحيينا الأرض وجعلنا فيها جنات، وفجرنا فيها من العيون، ليأكلوا من هذا الثمر الذي ليس لهم فيه شيء يذكر، فهو منّة من الله تعالى لم تعمله أيديهم وقال آخرون: إن (ما) في الآية: اسم موصول والمعنى ليأكلوا من هذا الثمر وليأكلوا من الذي عملته أيديهم من غيره والذي يترجح سياقًا ونظمًا المعنى الأول: النفي؛ لأن المقام مقام امتنان وتفضل، فالأليق والألصق بالمعنى ما عرفت وهو أن تكون (ما) نافية لا اسمًا موصولًا.
ومثل هذا في كتاب الله حري أن تُضرب له أكباد الإبل وأن تنفق فيه الأوقات، لأنه خير الزاد وأفضل الأقوات.
رابعًا: من دقة المفسرين رحمهم الله وإجلالهم لكتاب الله تبارك وتعالى، وعنايتهم بتفسيره ليحملوا الآية الكريمة على المعنى الألصق بها حتى لا يكون هناك أي شائبة تعكر على القارئ فهم الآية الكريمة، أقول من دقة المفسرين