رأى رأيًا آخر، وهو أن قوله {وَاجِفَةٌ} هي الخبر وقوله {أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ} في محل الصفة.
والمعلوم أن الخبر عمدة، وأن الصفة فضلة، وأن وجيف القلوب أكثر هولًا وأشد أثرًا من خشوع الأبصار، وخشوع الأبصار أهون من وجيف القلوب، فكيف نجعل ما يدل على التهويل صفة، وما يدل على التهوين خبرًا وهذه عبارته -رحمه الله- حيث يرد على صاحب الكشاف:
"قوله تعالى {قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ} أي يوم ترجف الراجفة وجفت القلوب، قيل: قلوب مبتدأ، ويومئذ متعلق بواجفة، وهي صفة لقلوب مسوغة لوقوعه مبتدأ، وقوله تعالى:{أَبْصَارُهَا} أي أبصار أصحابها {خَاشِعَةٌ} جملة من مبتدأ وخبر وقعت خبرًا لقلوب، وقد مر أن حق الصفة أن تكون معلومة الانتساب إلى الموصوف عند السامع حتى قالوا إن الصفات قبل العلم بها أخبار، والأخبار بعد العلم بها صفات، فحيث كان ثبوت الوجيف للقلوب وثبوت الخشوع لأبصار أصحابها سواء في المعرفة والجهالة كان جعل الأول عنوانًا للموضوع مسلم الثبوت مفروغًا منه، وجعل الثاني مخبرًا به مقصود الإفادة تحكمًا بحتًا، على أن الوجيف الذي هو عبارة عن شدة اضطراب القلب وقلقه من الخوف والوجل، أشد من خشوع البصر وأهول، فجعل أهون الشرين عمدة وأشدهما فضلة مما لا عهد له في الكلام، وأيضًا فتخصيص الخشوع بقلوب موصوفة بصفة معينة غير مشعرة بالعموم والشمول تهوين للخطب في موقع التهويل فالوجه أن يقال تنكير قلوب يقوم مقام الوصف المختص سواء حمل على التنويع كما قيل وإن لم يذكر النوع المقابل، فإن المعنى منسحب عليه، أو على التكثير كما في "شَرٌّ أَهَرَّ ذا ناب" فإن التفخيم كما يكون بالكيفيّة يكون بالكمية أيضًا، كأنه قيل: قلوب كثيرة يوم إذ يقع النفختان واجفة، أي شديدة الاضطراب (١).