أمر مفروغ منه، فلا يليق في أي كلام من كلام الناس، فما بالك بكلام الكبير المتعال؟ لكن إذا قلنا (بعض الناس يقول آمنا) وما يشبه هذا التركيب، فإن هذا كلام مفيد، يدلنا على أن الناس ليسوا سواء، فمنهم كذا، ومنهم كذا، أرايت إلى هذا الملحظ الدقيق في اختلافهم في الإعراب؟ !
أعرب بعضهم (الذي) في قوله {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا} مبتدأ، وآخرون أعربوها صفة أو نعتًا لقوله ربكم في قول الله {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} ولكنّ العلامة أبا السعود اختار الإعراب الثاني، وهو أن (الذي) صفة لِـ (ربكم) وقال إن هذا الاختيار أليق بالمعنى، ذلكم لأن خاتمة الآية الثانية {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا} فإذا قطعنا أول الآية عما قبلها فأعربنا (الذي جعل .. ) مبتدأ، كان النهي عن جعل الأنداد، لأن الله جعل الأرض فراشًا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء.
أما إذا أعربنا (الذي) صفة لـ (ربكم)، كان النهي عن جعل الأنداد، لا من أجل ما ذكر فحسب، بل من أجل شيء زائد على ذلك، وهو أن الله تبارك وتعالى ربكم هو الذي خلقكم والذين من قبلكم، وهذا لا شك أليق بالمعنى، إذ كيف تجعل لله ندًّا وهو أنعم عليك بنعمة الخلق أولًا، ثم بنعمة البقاء حيث جعل لك فراشًا.
ثالثًا: قال تعالى في سورة النازعات: {قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (٨) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (٩)} أعرب الزمخشري -رحمه الله- (واجفة) صفة للقلوب، التي هي مبتدأ، وقوله {أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ} خبر مبتدأ، ولكن العلامة أبا السعود -رحمه الله-