الأول: المخلقة ما كان خلقا سويًّا، وغير المخلقة ما دفعته الأرحام قبل أن يكون خلقًا.
الثاني: المخلقة التامة، وغير المخلقة غير التامة.
الثالث: المخلقة هي المصورة، وغير المخلقة غير المصورة.
ورجح -رحمه الله- هذا الأخير، وحجته أنه بعد أن تتخلق المضغة وقبل أن تكون عظامًا تصور، فما صورت هي التي يتم خلق الإنسان منها، وما لم تصور تسقط غير مستفاد منها.
وهذه الأقوال الثلاثة متقاربة، وأصحاب هذه الأقوال متفقون على أن هذه المضغة قسمان، هناك مضغة مخلقة، وهي التي يتم منها خلق الإنسان، والقسم الثاني: مضغة غير مخلقة وهي التي تتلاشى قبل أن تخلق عظامًا، ولكنّ العلماء -بعد أن علّم الله الإنسان في هذا العصر من أحوال الأجنة ما لم يكن يعلم- ذهبوا مذهبًا آخر، فقالوا إن المخلقة وغير المخلقة قسم واحد كما تقول هذا الكتاب ممتع وغير ممتع، فهو ممتع بما فيه من قصص مفيدة، وغير ممتع بما فيه من حشو وألغاز، قالوا وكذلك مخلقة وغير مخلقة، فهي مخلقة من جهة، لأنها تظهر فيها بعض أعضاء الإنسان بالمجهر، ولا يظهر فيها بعضها الآخر، وأثبتوا ذلك بالصور التي لا تدع مجالًا لمرتاب، ويقيني أن هذا ما يرشد أليه النظم القرآني، لأن الله يمتن على الناس بأنه خلقهم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة، ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة، إذن الناس جميعًا الذين شاء الله لهم أن يعيشوا في هذا الكون خلقوا من مضغة مخلقة وغير مخلقة، فلو كانت المضغة غير المخلقة هي التي سقطت وتلاشت، لا يقال إنا خلقناكم من مضغة مخلقة وغير مخلقة، وإنما الخلق كان من المخلقة فحسب، ولو كان ذلك كذلك لبينه الكتاب الذي فيه تبيان كل شيء؛ لذا أختار ما وصل إليه العلم الحديث، وجل الله القائل {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ}.