أما الثانية فإننا إذا استعرضنا اختلافات المفسرين وجدناها بعيدة عن الأمور المجمع عليها في العقيدة والأحكام والأخلاق والقضايا المقطوع بها من أمور الكون والتاريخ بل هي خلافات فرعية تَصلح وتُصلح، وقد مرّ معنا آيات كثيرة مما اختلف فيه المفسرون، ليس فيها ما يناقض بعضه بعضًا أولًا، بحيث يدعو بعضها إلى حق وآخر إلى غيره، بل ليس فيها ما ينصر مذهبًا على مذهب من مذاهب الحقّ، إنها اختلافات في أمور مما يختلف فيه ذوو العقول الصحيحة، على أن هناك خطوطًا لا يمكن أن يتجاوزها أحد، إنها اختلافات ذات جدوى فكرية واجتماعية، وكلّ قول يتناقض مع هذه الأساسيات مرفوض مردود؛ لأن القرآن الكريم ليس فيه اختلاف قال تعالى:{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}[النساء: ٨٢] فنحمد الله أن جعلنا من أهل القرآن وصلى الله وسلم على نبي الهدى سيدنا محمد الذي أنزل الله عليه القرآن كتابًا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله وعلى آله وصحبه والتابعين، وجزى الله أئمتنا الذين أنفقوا ما منحهم الله أوقاتًا وأقواتًا في خدمة هذا الدين كتابًا وسنة، ونسأل الله أن يجعلنا منهم إن ربي قريب مجيب، إن ربي رحيم ودود، إن ربي سميع الدعاء، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.