للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثًا: ينتج مما تقدم أننا لسنا ملزمين بكل ما جاء في كتب التفسير وأقوال المفسرين.

وليس كل خلاف جاء معتبرًا ... إلا خلافًا له حظ من النظر

ولذا نجد بعضهم يرد أقوال بعض، فقد يرجح قول كان مرجوحًا عند كثير من المفسرين وقد يفتح الله لمتأخر ما لم يفتح به لمتقدم، فكتاب الله لا يخلق على كثرة الردّ، ولا تنقضي عجائبه.

ولقد رأينا فيما قررناه من قبل أن هناك أقوالًا نقلها الأئمة ذوو الشأن كانت غير جديرة بالقبول، مثل تفسيرهم قوله تعالى: {وَلَا يَسْتَثْنُونَ} [القلم: ١٨] في سورة القلم أي (لم يقولوا إن شاء الله).

رابعًا: قد يعرض لبعض الناس نقبة من فكر تدور بخلده فتشغل فكره أو تزيده حيرة وهي: كيف يختلف الناس في تفسير كتاب الله وهو بيِّن يسره الله للذكر، وأنزله بلسان عربي مبين، أليس هذا الاختلاف ظاهرة غير صحية ولا صحيحة؟ ثم أليس من الأجدى أن تكون الآراء في كتاب الله واحدة، ليس فيها هذا التنازع والتعارض؟

وكي نجيب عن هذا التساؤل إجابة دقيقة، حبذا أن نسترجع ما ذكرنا من أسباب اختلاف المفسرين وأن نسترجع الآيات التي اختلف فيها كذلك وسنجد أن هذا الاختلاف كان أمرًا إيجابيًا فيه ثراء للفكر وإغناء للمعنى، فيه حركة عقلية دؤوب، تفتر لك عن آراء وتكشف لك عن معانٍ وترتفع بك من السطحية، وتسمو بك. يقول البيضاوي "محتملات لا يتضح مقصودها لإجمال أو مخالفة ظاهر إلا بالفحص والنظر ليظهر منها فضل العلماء ويزداد حرصهم على أن يجتهدوا في تدبرها وتحصيل العلوم المتوقف عليها استنباط المراد بها فينالوا بها وبإتعاب القرائح في استخراج معانيها ... معالي الدرجات" (١). هذه واحدة.


(١) تفسير البيضاوي (١/ ٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>