للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إعراب. ولم أر غاية رواة الشعر إلا كل شعر فيه غريب أو معنى صعب يحتاج إلى الاستخراج، ولم أر غاية رواة الأخبار إلا كل شعر فيه الشاهد والمثل) (١). فإن صح كان ذلك مستغربًا، يدعو إلى الحَيْرة ذلك أن الجاحظ - كما جاء عنه في كتاب (البيان والتبيين) - يقول عن أبي عبيدة: (لم يكن في الأرض خارجي ولا جماعي أعلم بجميع العلوم من أبي عبيدة)! (٢) فكيف نجمع بين الكلمتين؟ ! (٣).

وعلى كل حال، فإن خير ما يعطينا صورة واضحة عن نفاسة الملحوظات البلاغية التي ذكرها أبو عبيدة، والتي تنتظم كثيرًا من علمي المعاني والبيان، والتي تدل على قدم راسخة للرجل في هذا المضمار، ما ذكره في الجزء الأول من كتابه - أعني: (مجاز القرآن).

(قالوا: إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين، وتصداق ذلك في آية من القرآن، وفي آية أخرى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: ٤]، فلم يحتج السلف ولا الذين أدركوا وحيه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يسألوا عن معانيه لأنهم كانوا عرب الألسن، فاستغنوا بعلمهم عن المسألة عن معانيه، وعما فيه مما في كلام العرب مثله من الوجوه والتلخيص، وفي القرآن ما في الكلام العربي من وجوه الإعراب، ومن الغريب، والمعاني.

ومن المحتمل من مجاز ما اختصر وفيه مضمر قال: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا} [ص: ٦]، فهذا مختصر فيه ضمير مجازه: انطلق الملأ منهم، ثم اختصر إلى فعلهم، وأضمر فيه: وتواصوا أن امشوا، أو تنادوا أن امشوا، أو نحو ذلك. ومن مجاز ما حُذف وفيه مضمو قال. {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} [يوسف: ٨٢]، فهذا محذوف فيه ضمير مجازه: واسأل أهل القرية،


(١) (العمدة) (٢/ ٨٤) وراجع كتابنا البلاغة المفترى عليها ص ١٠٤.
(٢) (البيان والتبيين) (١/ ٣٣١).
(٣) ونحن نرتاب كل الريبة في تلك الكلمة التي نقلت عن الجاحظ.

<<  <  ج: ص:  >  >>