للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَاوِيَةٍ} [الحاقة: ٧] فكان مجموعا إذ أراد تشبيه أعيان الرجال فأجرِ الكلام على هذا. وإن جاءك تشبيه جمع الرجال موحِّدًا في شعر فأجزِه. وإن جاءك التشبيه للواحد مجموعا في شعر فهو أيضا يراد به الفعل فأجزه كقولك. ما فِغلك إلا كفعل الحَمِير، وما أفعالكم إلا كفعل الذِّئب فابن على هذا، ثم تُلْقِي الفعل فتقول: ما فعلك إلا كالحَمِير وكالذِّئب.

وإنما قال الله عز وجل: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} لأن المعنى ذهب إلى المنافقين فجمع لذلك. ولو وُحِّد لكان صوابًا، كقوله: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعَامُ الْأَثِيمِ (٤٤) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ} [الدخان: ٤٣ - ٤٥] (ويغلي فمن أنت ذهب إلى الشجرة، ومن ذَكَّر ذهب إلى المهل. ومثله قوله عز وجل: {أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ} [آل عمران: ١٥٤] للأمنة، و (يغشى) للنعاس.

وقوله: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} [البقرة: ١٨].

رُفعن وأسماؤهن في أول الكلام منصوبة لأن الكلام تمّ وانقضت به آية، ثم استؤنفت {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} في آية أخرى، فكانت أقوى للاستئناف، ولو تم الكلام ولم تكن آية لجاز أيضًا الاستئناف قال الله تبارك وتعالى: {جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا (٣٦) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ} [النبأ: ٣٦ - ٣٧] (الرحمن) يرفع ويخفض في الإعراب، وليس الذي قبله بآخر آية. فأما ما جاءَ في رؤوس الآيات مستأنفًا فكثير؛ من ذلك قول الله: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالهُمْ} [التوبة: ١١١] إلى قوله: {وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: ١١١]. ثم قال جل وجهه: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ} بالرفع في قراءتنا، وفي حرف ابن مسعود (التائبين العابدين الحامدين). وقال: {أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (١٢٥) اللَّهَ رَبَّكُمْ} [الصافات: ١٢٥ - ١٢٦] يقرأ ونصبه على جهتين؟ ، إن شئت على معنى: تركهم صمًا بكمًا عميًا، وإن شئت اكتفيت بأن توقع الترك عليهم

<<  <  ج: ص:  >  >>