للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا} [البقرة: ٢٨] على وجه التعجب، والتوبيخ لا على الاستفهام المحض أي ولحكم كيف تكفرون وهو كقوله. {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ} [التكوير: ٢٦] وقوله: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا} المعنى -والله أعلم- وقد كنتم ولولا إضمار (قد) لم يجز مثله في الكلام. ألا ترى أنه قد قال في سورة يوسف {وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ} [يوسف: ٢٧]. والمعنى والله أعلم فقد كذبت، وقولك للرجل: (أصبحت كثر مالك لا يجوز إلا وأنت تريد: قد كثر مالك، لأنهما جميعًا قد كانا، فالثاني حال للأول، والحال لا تكون إلا بإضمار قد أو بإظهارها.

وقوله: {أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَال} [البقرة: ٦٧] وهذا في القرآن كثير بغير الفاء وذلك لأنه جواب يستغني أوله عن آخره بالوقفة عليه، فيقال ماذا قال لك، فيقول القائل: قال كذا وكذا، فكأن حسن السكوت يجوز به طرح الفاء وأنت تراه في رؤوس الآيات، -لأنها فصول- حسنا.

وقوله: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً} [البقرة: ٨١].

وضعت (بلى) لكل إقرار في أوله جحد، ووضعت نعم للاستفهام الذي لا جحد فيه، فـ (بلى) بمنزلة (نعم)، إلا أنها لا تكون إلا لما في أوله جحد قال الله تبارك وتعالى: {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالوا نَعَمْ} [الأعراف: ٤٤] فـ (بلى) لا تصلح في هذا الموضع، وأما الجحد فقوله: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (٨) قَالوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا} [الملك: ٨ - ٩] ولا تصلح ها هنا نعم أداة، وذلك أن الاستفهام يحتاج إلى جواب بـ (نعم) و (لا) ما لم يكن فيه جحد، فإذا دخل الجحد في الاستفهام لم يستقم أن تقول فيه (نعم) فتكون كأنك مقر بالجحد وبالفعل الذي بعده، ألا ترى أنك لو قلت لقائل قال لك: أمالك مال: فلو قلت نعم كنت مقرًا بالكلمة بطرح الاستفهام، وحده كأنك قلت: نعم مالي مال، فأرادوا أن يرجعوا عن الجحد ويقرأوا بما بعده فاختاروا (بلى) لأن أصله كان رجوعًا محضًا عن الجحد إذا قالوا ما قال عبد الله بل

<<  <  ج: ص:  >  >>