كتب واحد، وهو الحديث عن التفسير البياني وإسهام العلماء فيه، يقول الاستاذ محمد رجب البيومي:
"الجاحظ خطيب المعتزلة وابن قتيبة خطيب أهل السنة! هكذا يقولون حيث يريدون أن يوجزوا الحديث عن ابن قتيبة فيقرنوه بالجاحظ أستاذه ليشيروا إلى بعض ما اتفق فيه الرجلان من سمات علمية لا تنكر، وإذا كان الجاحظ من الاشتهار بحيث لا يخفى على أحد فإن ابن قتيبة قد سما إلى كثير مما نال من المجادة العلمية، والنباهة الأدبية، فقد ترك آثارًا قوية في شتى فروع المعرفة من أدب وعلم ولغة وحديث وتفسير وفقه، كما أنه امتاز عن الجاحظ في دقة التبويب، والبعد عن الاستطراد وإصابة الهدف من أقرب طريق وإن لم يكن له فقهه القوي وعارضته الحادّة، ولمحاته الصائبة، وكأني بآثار ابن قتيبة الدينية في الفقه والحديث والتفسير، ودفاعه المخلص عن آراء أهل السنة قد جعلته في رأي بعض الدارسين رجل علم يميل إلى الأدب فحسب، لا رجل علم وأدب معًا! وذلك ظلم صريح للرجل، لأن لابن قتيبة في الحقل الأدبي وحده ما يضعه بين كبار الأدباء ورجال النقد في عصره، وما زال ما سطره في أدب الكاتب وفي الشعر والشعراء وغيرهما من آثاره الأدبية يدل على أنه لو اقتصر على الميدان الأدبي وحده لكان أحد أبطاله اللّامعين، ونحن نؤكد ذلك لنشير إلى أن روحه الأدبية الصافية قد تجلّت أظهر تجلية في تفسيره البياني للقراء حين سطر مؤلفه الجهير "تأويل مشكل القرآن" وهو ما نخصه اليوم بالحديث.
"كان ابن قتيبة وعاء نظيفًا من أوعية العلم. دَرسَ ما كان يعج به عصره من ثقافات، واستوعب ما وقف عليه من ألوان العلوم والمعارف استيعاب الفاحص المنقّب، وقد انتفع أكبر الانتفاع بآثار من سبقه في الدراسات البيانية للقرآن، لأن كتاب "التأويل" يدل على أنه امتداد سابق مثمر لسابقيه، ولو لم يعرف القارئ شيئًا عن مؤلفه، وأخذ يقرؤه قراءة المقارن المحلّل لأدرك أن كاتبه قد تهيأ لتأليفه بعد أن