للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"تقول العرب إذا أرادت تعظيم مهلك رجل عظيم الشأن رفيع المكان عام النفع كثير الصنائع "أظلمت الشمس له وكسف القمر لفقده وبكته الريح والبرق والسماء والأرض" يريدون المبالغة في وصف المصيبة وأنها قد شملت وعمت وليس ذلك بكذب لأنهم جميعًا متواطئون عليه والسامع له يعرف مذهب القائل فيه، وهكذا يفعلون في كل ما أرادوا أن يعظموه ويستقصوا صفته ونيتهم في قولهم أظلمت الشمس أي كادت تظلم وكسف القمر كاد ينكسف، ثم قال وقد اختلف الناس في قوله "فما بكت (١) " فذهب به قوم مذاهب العرب في قولهم بكته الريح والبرق ... وقال آخرون فما بكى عليهم أهل السماء والأرض، فأقام السماء والأرض مقام أهلهما، كما قال تعالى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} أراد أهل القرية ... وقال ابن عباس: "لكل مؤمن باب في السماء يصعد فيه عمله وينزل منه رزقه فإذا مات بكى عليه الباب وبكت عليه آثاره في الأرض ومصلاه والكافر لا يصعد له عمل ولا يبكي له باب في السماء ولا أثره في الأرض" اهـ.

فالمؤلف -كما يلوح لي- مزورّ عما نسب إلى ابن عباس من تفسير، ولكنه يذكره بعد أن يستوفي تفسيره البياني المقنع مؤيدًا بالأمثلة السوائر معتقدًا أنه أصاب مقطع الحق فيما تناول، وليس يضيره أن يأتي برأي آخر قد يجد من القراء من يميل به إلى التوهين والترجيح وفي أبواب المقلوب، والحذف والاختصار والكناية والتعريض ومخالفة ظاهر اللفظ معناه أمثلة جيدة هي الأعواد الخضراء التي ترعرعت فيما بعد فأنشات شجرة البلاغة المتعدّدة الأفنان، بل بها ما لم يكد أن يزيد عليه البلاغيون شيئًا غير التفصيل والتفريع ومن ذلك حديثه عن الاستفهام التقريري مستشهدًا بنحو قول الله {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَامُوسَى} (٢) والاستفهام التعجبي مستشهدًا بنحو قول الله {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (١) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ} والاستفهام


(١) المشكل ص ١٢٩.
(٢) المشكل ص ٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>