للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مبينًا أنها لا تصلح لأن تكون البحث الذي تدور حوله فكرة الإعجاز، لذا كانت نظريته في الإعجاز تكمن في نظم القرآن نظما بديعًا، يجمع بين أفصح الألفاظ وأصح المعاني في أبدع نظم وأحسنه وهذه عبارته قال الخطابي (وإذا تأملت القرآن وجدت هذه الأمور منه في غاية الشرف والفضيلة، حتى لا ترى شيئًا من الألفاظ أفصح ولا أجزل ولا أعذب من ألفاظه، ولا ترى نظمًا أحسن تأليفًا وأشد تلاؤمًا وتشاكلًا من نظمه، وأما المعاني فلا خفاء على ذي عقل أنها هي التي تشهد لها العقول بالتقدم في أبوابها، والترقي في أعلى درجات الفضل من نعوتها وصفاتها.

وقد توجد هذه الفضائل الثلاث على التفرق في أنواع الكلام، فأما أو توجد مجموعة من نوع واحد منه فلم توجد إلا في كلام العليم القدير، الذي أحاط بكل شيء علمًا وأحصى كل شيء عددًا.

فتفهم الآن واعلم أن القرآن إنما صار معجزًا لأنه جاء بأفصح الألفاظ في أحسن نظوم التأليف متضمنًا أصح المعاني من توحيده له عزت قدرته وتنزيه له في صفاته، ودعاء إلى طاعته، وبيان بمنهاج عبادته، من تحليل وتحريم وحظر وإباحة ومن وعظ وتقويم وأمر بمعروف ونهي عن منكر وإرشاد إلى محاسن الأخلاق، وزجر عن مساوئها، واضعًا كل شيء منها موضعه الذي لا يرى شيء أو لى منه، ولا يرى في صورة العقل أمر أليق منه، مودعا أخبار القرون الماضية وما نزل من مثلات الله بمن عصى وعاند منهم منبئًا عن الكوائن المستقبلة في الأعصار الباقية من الزمان، وجامعًا في ذلك بين الحجة والمحتج له، والدليل والدليل عليه، ليكون ذلك أوكد للزوم ما دعا إليه، وإنباءً عن وجوب ما أمر به ونهى عنه) (١).

ولعله اللبنة الأولى لمن جاءوا بعده في إبراز نظرية النظم وتكاملها.

وإذا كان الرماني والخطابي قد تركا لنا رسائل في الإعجاز، وكان لكل وجهته ورأيه، فإن علامة الأشاعرة القاضي أبا بكر الباقلاني المتوفى سنة ٤٠٣ هـ، كان


(١) ثلاث رسائل في إعجاز القرآن، الخطابي ص ٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>