للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فانظر معي كيف توهم المؤلف أن القلب لا يكون إلا للضرورة والغلط ثم جعل من هذا التوهم البعيد دليلًا على غلط أبي عبيدة دون تدقيق.

وإذا كان المؤلف الكبير -وراء هذا كله- قد استشف أسرار التركيب البياني للقرآن في أكثر ما تعرض له على كثرته الكاثرة فقد أمد المفسير البياني برافد صاف عذب لم يلبث أن ورده المفسرون، لينقعوا منه غللهم الصادية، فصدروا عنه هانئين، فإذا أضيف إلى ذلك ما قطفه المفسرون من كتابه المسمى "تفسير غريب القرآن" فلك أن تقدّر معي ثراء هذا الرجل الخصب وتراثه الحفيل" (١).

ولقد كان الرماني المعتزلي (٢٩٦ - ٣٨٦ هـ) وحمد بن محمد الخطابي البستي (٣١٩ - ٣٨٨) أول من كتب في إعجاز القرآن، فلقد وضع الرماني رسالته التي سماها (النكت في إعجاز القرآن). وقد بين فيها وجوه الإعجاز، فذكر الصرفة متأثرًا بالنظام، كما ذكر من أوجه الإعجاز أخبار الغيب. ولكن عنايته في الإعجاز انصبت على البلاغة، فذكر الاستعارة والتشبيه وغيرها، ممثّلًا لكل ذلك من القرآن الكريم، على أنّه ينبغي أن يُعلم أن الصرفة التي ذكرها الرماني، ليست هي ما كان يعنيه النظام، لأنّ الرماني -رحمه الله- ركز كثيرًا على أن البلاغة القرآنية هي سر إعجازه، فالقرآن في أعلى طبقات البلاغة التي لا يستطيعها البشر، والصرفة عنده ليست إلّا وجهًا عقليًا يصلح أن يكون وجهًا من وجوه الإعجاز.

أما الخطابي في رسالته (بيان إعجاز القرآن) فرد على القائلين بالصرفة، كما لم يرتض القول بأن إعجاز القرآن يكمن في تضمنه الأخبار عن الأمور المستقبلة لأن ذلك في آيات مخصوصة، والإعجاز لا بد أن يكون في القرآن كلِّه، لذلك رأى أن البلاغة التي تقوم على قواعد هي سرّ الإعجاز، وإنما قلت تقوم على قواعد، لأن البلاغة التي تقوم على الذوق وحده لا تصلح في هذا الشأن الخطير، فالأذواق مختلفة، ولا بد أن يكون الذوق معللًا، وهو ما يعرف بالنقد، وناقش فكرة البلاغة


(١) خطوات التفسير البياني [٩٢ - ١٢٠].

<<  <  ج: ص:  >  >>