للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحذف من الإشارة إلى طابع الإسلام، وهو أنه ليس دين تفريق وخصومة، بل هو جامع ما فرقه الناس من الأديان، داع إلى الإيمان بالكتب كلها على سواء .. ) (١).

وهكذا يستمر الأستاذ رحمه الله في تفسير هذه النماذج على هذا المنوال، وإنه لكلام والله يسطع برهانه، وتنير حجته، ويحمل في طياته دليله المنطقي، وسلطانه الفطري، فَيدُع ظلام الشك، وظلمة الشبهة دعًّا، ليحل محلها نور اليقين، وروعة الإقناع.

والأستاذ يرى أن الإيجاز والوحدة بين الآيات والسور، من أهم ما يتميز به هذا القرآن، فالحرف الواحد يعطي من المعاني الكثير، فإذا حذف هذا الحرف، - ذهبت تلك المعاني، ومثل ذلك هذه الكاف في قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فلقد جاءت في موضعها، لأنه يفهم منها إقصاء المخلوقات جميعها، عن أن تقرب من رتبة الألوهية، أو تكون من قبيل الكلام الذي يحمل دعواه معه، فإن قولنا مثل فلان لا يكذب، أبلغ من قولنا فلان لا يكذب، لأنه كلام يحمل معه دليله، وليس معنى هذا أن الأستاذ تستهويه مخالفة المفسرين بل هو من رأيت وسمعت أدبًا وذوقًا رفيعًا واعترافًا بالجميل، ولكنه يبدي رأيًا فيما ظهر له، فها هو عند قوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا} يرى أن هذا المثل للكافرين وليس للمنافقين، كما ذهب المفسرون، وأن الذي استوقد نارًا إنما هو الرسول عليه وآله الصلاة والسلام، والأستاذ رحمه الله لا يخطيء المفسرين فيما ذهبوا إليه، بل نراه يجلهم ويقول: (إننا لما رأينا المفسرين جعلوا الذي استوقد نارًا مثلًا للمنافق، فإنا نتهيب أدبًا أن نجعله للرسول الكريم) (٢) ولكن شجعه على ذلك كما يقول الحديث الوارد عن الرسول عليه وآله الصلاة والسلام في ذلك: (إنما مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارًا) (٣).


(١) النبأ العظيم ص ١١٣ - ١١٤.
(٢) النبأ العظيم ص ١٦٥.
(٣) أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء، باب قول الله "وهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب".

<<  <  ج: ص:  >  >>