بمضاعفة أجورهم أضعافًا كثيرة لا يحصرها العد. ومن وقف على علم التأويل واطلع على معترك أفهام العلماء في آية رأى من ذلك العجب العاجب) (١).
أرأيت إلى روعة الأسلوب، إنه الفيض الرباني، يمنحه الله من يشاء من عباده.
ولنأخذ هذا الأنموذج مثلًا: آية من كتاب الله، تتحدث عن فصل من فصول بني إسرائيل، وهي قول الله تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[البقرة: ٩١]- يقول الأستاذ رحمه الله: (والعناصر الأصلية التي تبرزها لنا هذه الكلمات القليلة، تتلخص فيما يلي:
أولًا: مقالة ينصح بها الناصح لليهود إذ يدعوهم إلى الإيمان بالقرآن.
ثانيًا: إجابتهم لهذا الناصح بمقالة تنطوي على مقصدين.
ثالثًا: الرد على هذا الجواب بركنيه من عدة وجوه ..
فانظر كيف جمع القرآن، هذا المعنى الكثير في هذا اللفظ الوجيز:{آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} وسر ذلك أنه عدل بالكلام عن صريح اسم القرآن إلى كنايته، فجعل دعاءهم إلى الإيمان به، دعاء إلى الشيء بحجته، وبذلك أخرج الدليل والدعوى في لفظ واحد. ثم انظر كيف طوى ذكر المنزل عليه، فلم يقل آمنوا بما أنزل الله على محمد، مع أن هذا جزء متمم لوصف القرآن المقصود بالدعوة. أتدري لم ذلك؟ لأنه لو ذكر لكان في نظر الحكمة البيانية زائدًا، وفي نظر الحكمة الإرشادية مفسدًا. أما الأول فلأن هذه الخصوصية لا مدخل لها في الإلزام، فأدير الأمر على القدر المشترك، وعلى الحد الأوسط الذي هو عمود الدليل، وأما الثاني فلأن إلقاء هذا الاسم على مسامع الأعداء، من شأنه أن يخرج أضغانهم، ويثير أحقادهم، فيؤدي إلى عكس ما قصده الداعي من التأليف والإصلاح ذلك إلى ما في هذا