فلئن كانت في الموقف الأول تواجه الحصانة والتربية والأخلاق بينها وبين نفسها، فهي هنا وشيكة أن تواجه المجتمع بالفضيحة، ثم هي تواجه آلامًا جسدية بجانب الآلام النفسية تواجه الألم الجسمي الحاد الذي (أجاءها) إجاءة إلى النخلة، وهي وحيدة فريدة تعاني حيرة العذراء في أول مخاض، ولا علم لها بشيء، ولا معين لها في شيء، فإذا هي قالت:{يَاليْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا} فإننا لنكاد نرى ملامحها ونحس اضطراب خواطرها، ونلمس مواقع الألم فيها.
وهذه هي الهزة الرابعة، والمفاجأة العظمى. وإنا لنكاد نحن، لا مريم نهب على أقدامنا وثبًا، روعة من هذه الهزة وعجبًا، طفل ولد اللحظة، يناديها من تحتها، ويمهد لها مصاعبها، ويهيء لها طعامها، ألا إنها الهزة الكبرى.
ونحسبها قد دهشت طويلًا، وبهتت طويلًا، قبل أن تمد يدها إلى جذع النخلة، تهزه ليساقط عليها رطبًا جنيًّا، لتتأكد على الأقل، ويطمئن قلبها لما تواجه به أهلها ولكن هنا فجوة تترك للخيال أن يقيم عندها قنطرة، ويعبرها.
إن الهزة لتطلق ألسنتهم بالسخر والتهكم على (أخت هارون) أو في تذكيرها بهذه الأخوة ما فيه من مفارقة، فهذه حادثة في هذا البيت لا سابقة لها {مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا}.
{فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ} ويبدو أنها كانت مطمئنة لتكرار المعجزة هنا، أما هم فما عسى