ثالثًا: تدعي أن المفسرين وهم يكتبون، يحملون في نفوسهم فكرة ما تسيطر عليهم، فتأتي أقوالهم مشوشة. وتمثل لذلك بما قرروه من أن القسم، يكون لتعظيم المقسم به، وقد سيطرت عليهم تلك الفكرة قديمهم وحديثهم، فأرادوا أن يخضعوا كل قسم، ليتفق مع تلك القاعدة، ومع مخالفتنا لها في هذا، فقد وقعت هي في ما اعترضت به على غيرها، فهي ترى أن القسم بالواو، إنما جاء في القرآن الكريم، ليدل على واقع محسوس مشهود للناس فقد خرج عن أصله اللغوي، ومن هنا لا داعي للبحث عن جوابه، ومن أجل هذا، أرادت أن تخضع كل قسم مبتدئًا بالواو لتلك القاعدة، وبخاصة إذا كان القسم على البعث. فردت تفسير النازعات بالملائكة لأن الملائكة ليست محسوسة مشاهدة، وفسرت هذه المقسم بها بالخيل. وإن الحس اللغوي في رأيي، لا يساعد على تفسير {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا}(بالخيل).
رابعًا: تتعقب المفسرين لا في التفاسير اللغوية فقط، بل فيما هو خارج عنها، كمسائل علم الكلام كما رأينا عند تفسيرها لقول الله تعالى:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَال ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} بل في مضمون كلامهم. فهي تقول عن كلام الزمخشري في تفسير قوله تعالى:{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}(ومعنى اصطحاب اليسر والعسر، أن الله أراد أن يصيبهم يعني المؤمنين بيسر بعد العسر الذي كانوا فيه بزمان قريب، فقرب اليسر جعله كالمقارن للعسر، زيادة في التسلية وتقوية القلوب) تقول: (إنه يعوزه الدقة في موضعين: التعبير عن البشرى بالإصابة أولًا، والتشبيه في قوله (حتى جعل اليسر كالمقارن للعسر ولا إخال ذلك). أما أولًا ففي القرآن {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}[النساء: ٧٨]{مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}[النساء: ٧٩]. وأما ثانيًا فورود الكاف من الأساليب المعروفة في اللغة. وإذا كان القسم قد يخرج عن أصله اللغوي كما تقول، أفلا يكون للتشبيه جماله في مثل هذا التعبير؟ ومع هذا كله فإن صاحبة التفسير البياني كان ينبغي أن تنبه على أمور بدل هذا كله في التعبير