للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعدد الزوجات فقوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: ٣] ليس المقصود منه إباحة أكثر من واحدة، بل قصد منه تحريم ذلك بتاتًا. وكل ما في الأمر أن صيغة التحريم وردت على عادة القرآن في الاستدراج والتلطيف. فالآية واضحة لكل متذوق أنها هزء وسخرية، ممن يريد تعدد الزوجات، لأن المولى سبحانه وتعالى رد فيها بقوله: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النساء: ١٢٩]. و (لن) كما يقرر النحاة، هي أشد أدوات النفي للمستقبل إذ تنفيه نفيًا باتًا. فالقرآن يسجل بصريح العبارة، أن الاستطاعة مستحيلة، أي أن العلة المتوهمة للتصريح بالتعدد لن تتحقق.

والمقرر عند الفقهاء من عقليين وحرفيين، أنه متى زالت العلة زال المعلول).

ثم عاد يؤيد دعواه هذه ببحث طويل عريض في مجلة (الثقافة)، يقول فيه: "إن" "ما" في قوله تعالى: {مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}، من أقوى ما يكون في إفادة العموم، وهي نكرة بمعنى (أي شيء) أي أية امرأة أو مجموعة من النساء -أي لا مفهوم للتحديد بأربع- وإن القرآن استعمل (طاب) ولم يستعمل كلمة (حل). لأن الطائب قد يكون حلالًا وقد يكون حرامًا .. وإن القول بدلالة الآية على حكم تحديد التعدد بأربع، يؤول بنا إلى نتيجة منكرة .. ذلك أن مثنى وثلاث ورباع معناها اثنان اثنان وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة. أي أن الرجل يأتي لامرأتين فيتزوجهما. ثم إلى ثلاثة. فيتهم الفقهاء بأنهم سايروا واقع التعدد الذي فشا بعد الصدر الأول، من أجل الجنود في الحرب، فاضطروا أن يوجدوا لها سندًا من القرآن.

وهذا كلام ظاهر البطلان، واضح التجني، وهو وإن كان لا يحتاج إلى رد وتفنيد، فإنه لا بد من إيراد بعض الملحوظات عليه:

١ - يزعم الكاتب أن الآية الكريمة لا يفهم منها إباحة التعدد، وإنما على العكس من ذلك تشير إلى التحريم، ولقد جاءت بأسلوب السخرية من التعدد. وهذا منطق أقل ما يقال فيه، إنه يستدعي السخرية والاستنكار. فالنص

<<  <  ج: ص:  >  >>