ثم نكس هؤلاء المسلمون على رؤوسهم، فحرموها على أنفسهم إلا قليلًا منهم، حتى عاد بعضهم يقلدون فيها من أخذوها عن أجدادهم. وقد اعترف علماء الغرب لعلماء سلفنا بسبقهم، وإمامتهم لهم فيها، وفي ثمراتها ونقل شيخنا الأستاذ الإمام طائفة من أقوالهم في كتاب (الإسلام والنصرانية).
ويقول عند تفسيره لقول الله عز وجل:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ}[البقرة: ١٦٤].
(وبقدر ارتقاء العقل في العلم والعرفان يكمل التوحيد في الإيمان، وإنما يشرك بالله أقل الناس عقلًا وأكثرهم جهلًا .. نعم إن هذا الكون هو كتاب الإبداع الإلهي، المفصح عن وجود الله وكماله وجلاله وجماله إلى هذا الكتاب الإشارة بقوله تعالى:{قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} وبقوله: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ}[لقمان: ٢٧] فكلمات الله في التكوين باعتبار آثارها ومصداقها هي آحاد المخلوقات والمبدعات الإلهية، فإنها تنطق بلسان أفصح من لسان المقال، لكن لا يفهمه الذين هم عن السمع معزولون، وللعلم معادون، الواهمون أن معرفة الله تقتبس من الجدليات النظرية والأقيسة المنطمية، دون الدلائل الوجودية الحقيقية. ولو كان زعمهم حقيقة لا وهمًا، لكان الله سبحانه استدل في كتابه بالأدلة النظرية الفكرية، وذكر الدور والتسلسل، وغير ذلك من الاصطلاحات الكلامية، ولم يستدل بالسماء والأرض والليل والنهار والفلك، والمطر وتأثيره في الحياة وغير ذلك من المخلوقات التي أرشدنا القرآن إلى النظر فيها واستخراج الدلائل والعبر منها.