للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا أنّ لله كتابين -كتابًا مخلوقًا وهو الكون، وكتابًا منزلًا وهو القرآن- وإنما يرشدنا هذا إلى طريق العلم بذاك، بما أوتينا من العقل. فمن أطاع فهو من الفائزين، ومن أعرض فأولئك هم الخاسرون) (١).

٢ - يقول صاحب الظلال عند تفسيره لمطلع سورة الأنعام: (إن هذه الموجة العريضة الشاملة في مطلع السورة، إنما تخاطب القلب البشري والعقل البشري، بدليل (الخلق) ودليل (الحياة) ممثلين في الآفاق والأنفس .. ولكنها لا تخاطب بهما الإدراك البشري خطابًا جدليًا لاهوتيًا أو فلسفيًا، ولكن خطابًا موحيًا موقظًا للفطرة، حيث يواجهها بحركة الخلق والإحياء وحركة التدبير والهيمنة، في صورة التقرير لا في صورة الجدل، وبسلطان اليقين المستمد من تقرير الله، ومن شهادة الفطرة الداخلية بصدق هذا التقرير فيما تراه.

ووجود السماوات والأرض وتدبيرها وفق هذا النظام الواضح، ونشأة الحياة وحياة الإنسان في قمتها وسيرها في هذا الخط الذي سارت فيه .. كلاهما يواجه الفطرة البشرية بالحق. ويوقع فيها اليقين بوحدانية الله .. والوحدانية هي القضية التي تستهدف السورة كلها تقريرها، وليست هي قضية وجود الله. فلقد كانت المشكلة دائمًا في تاريخ البشرية، هي عدم معرفة الإله الحق بصفاته الحق، ولم تكن هي مشكلة عدم الإيمان بوجود الله.

أما مواجهة دليل الخلق ودليل الحياة للوثة الإلحاد، فهي مواجهة قوية لا يجد الملحدون إزاءها إلا المماحلة والمغالطة والالتواء. إن وجود هذا الكون ابتداء بهذا النظام الخاص، يستلزم بمنطق الفطرة البديهي، وبمنطق العقل الواعي على السواء أن يكون وراءه خالق مدبر .. فالمسافة بين الوجود والعدم، مسافة لا يملك الإدراك البشري أن يعبرها، إلا بتصور إله ينشيء ويخلق ويوجد هذا الوجود.


(١) تفسير المنار جـ ٢ ص ٦٣ - ٦٤، وستأتي زيادة إيضاح لرأي الإمام وصاحب المنار فيما بعد.

<<  <  ج: ص:  >  >>